تاريخ السينما الايرانية يمتد الى قرابة السبعين عاما, ويعتقد بعض النقاد ان فترة ما قبل السبعينات كانت السينما الايرانية استعراضية وتعتمد على ابراز المرأة بالذات بالشكل الغربي والتركيز على مفاتنها دون الاهتمام بالمواضيع التي تمس المجتمع الايراني. وبعد انتصار الثورة في ايران بدأت السينما الايرانية في اتخاذ موقع مناسب وان كانت الرقابة صارمة خاصة لجهة تمثيل المرأة والتركيز على اهمية ظهورها بمظهر اسلامي من ناحية التزامها بالحجاب. ويعتقد بعض النقاد ان الفنان الايراني ممثلا ومخرجا ومنتجا قادر على الافلات من الرقابة الصارمة من خلال تناول موضوعات ذات ابعاد رمزية سياسية واجتماعية, كما ان الكثير من الممثلات اذا خرجن خارج ايران لأداء بعض المشاهد يتحررن نوعا من الحجاب واستخدام المكياج وادوات الزينة بشكل صارخ. الا ان المتابع للافلام الايرانية التي تنتج داخل ايران وحتى المسلسلات المهمة يلاحظ ظهور المرأة بشكل انفتاحي نوعا ما, وان كانت ترتدي الحجاب حتى في أماكن لا يرتدى فيه كمنزل الزوجية, وفي ادوار تاريخية يفترض فيها عدم ارتداء الحجاب كالفترة الرومانية, الا ان ذلك لا يقلل من قيمة العمل الفني كما شاهدنا في مسلسل اصحاب الكهف. وفي برنامج بث على قناة الجزيرة قبل فترة عن واقع السينما الايرانية قالت تهمينة ميلاتي (مخرجة سينمائية): من المصاعب التي تواجهني ان ابطال افلامي من النساء, وهذه الخصوصية تستدعي منهن رعايتهن للحجاب حتى في المشاهد التي تجمع بين الزوج والزوجة تحت سقف واحد, لذلك فان فناناتنا عادة ما يلجأن في هذه الحالة للقيام ببعض الحركات الايحائية. وتستدرك ميلاني والتي اخرجت فيلمها السينمائي السادس (النصف المخفي) ان ما تواجهه من تحديات ومشاكل ناجم في الاساس عن النظرة الاجتماعية القاصرة لدور المرأة, لكنها تضيف ايضا ان هذه التحديدات بدأت تخف حدتها في السنوات الاخيرة بعض الشيء. والذي تابع دور السينما الايرانية في بداية الثمانينات يستطيع التعرف على الذوق العام الذي كان طاغيا في ذلك الوقت, حيث كانت اغلب الافلام المعروضة سواء اجنبية او ايرانية هي تلك الأفلام العسكرية والمرتبطة بالحروب وأفلام الجاسوسية ويبدو ان ذلك تلبية لذلك الظرف المرتبط بأجواء الحرب العراقية الايرانية وتعبئة الشعب الايراني وربطه بالحرب كقيمة أساسية لبقاء الجمهورية الاسلامية. وبعد توقف الحرب ودخول ايران مرحلة جديدة بدأت السينما الايرانية تأخذ منحى آخر نوعا ما, حيث تناقش القضايا الاجتماعية الملحة كالبطالة والعلاقات الأسرية ومشاكل الطلاق وهروب الفتيات من المنازل وغيرها من المشاكل. وفي السنوات الاخيرة أخذ الاعلام الغربي والعربي يسلط الضوء على السينما الايرانية, خاصة بعد فوز افلام ايرانية ومخرجين ايرانيين بجوائز عالمية في كان وفي أماكن اخرى مثل اليابان وتسيد بعض الافلام شباك التذاكر في بريطانياواليابان والمانيا, وظهور نجوم مثل المخرجة سميرة محلباف وعباس كياروستمي وداريوش ارجند وغيرهم. ولفت نظر النقاد في المهرجانات المختلفة ان معظم الافلام الايرانية ركزت على قضايا الجيل الجديد في ايران المطالب بمزيد من الحريات على صعيد الحياة الشخصية, وقصص العلاقات العاطفية وانحراف المراهقات ولا حظ المراقبون ايضا خروج الفنانين عن المألوف واختراق الضوابط الرقابية من قبيل ملامسة الرجل للمرأة, والمكياج الصارخ وعدم التقيد بالحجاب, فضلا عن الجرأة في الطرح وعن هروب الفتيات المنتشر حاليا في ايران يقول المخرج داريوش مهرجوئي في مقابلة نشرت على الانترنت: ان جوهر القضية التي اردت ان اطرحها في الفيلم (بماني) هي استغلال المرأة وامتهان آدميتها والذي اعتقد انه يمثل السبب الرئيسي لمشاكل المرأة الايرانية, ولظاهرة هروب الفتيات من ذويهن, وعن سبب اعتماده اسلوبا سينمائيا يمزج بين التسجيلية والروائية, قال مهرجوئي: لقد بدأت فكرة الفيلم في ذهني عندما طالعت في صفحة الحوادث لاحدى الجرائد المحلية خبرا عن اقدام فتاة من ايلام على حرق نفسها تخلصا من سلطة الزوج, وتأثرت كثيرا لحيثيات الحادثة وقررت ان أعالجها سينمائيا, وعندما ذهبت الى منطقة الحدث - ايلام - وجدت البؤس الذي لا يزال يعيشه اهل المنطقة, رغم مرور 14 عاما على انتهاء الحرب, ورأيت من واجبي ان اوصل صوت هؤلاء الناس, وان ادع الكاميرا تعرض الواقع كما هو وبدون رتوش. وبخصوص ظاهرة هروب الفتيات التي يعاني منها المجتمع الايراني راهنا يقول المخرج الايراني: انها مشكلة اجتماعية معقدة جدا, واهم عواملها الفقر والبطالة, لا سيما في منطقة ايلام التي عايشتها لفترة من الزمن قبل بدء تصوير الفيلم, حيث وجدت هناك كثيرا من الرجال بدون عمل, وهو ما يوجد لهم مشاكل نفسية تنعكس على تعاملهم مع النساءو اما الفتيات فهن يعشن بدون امل ويشتكين من النظرة السلبية السائدة تجاه الأنثى, ومن قلة فرص الزواج المناسب, وعدم منحهن الفرص الكافية لاكمال تعليمهن او العمل.. وكل هذه العوامل تجعل المرأة تزهد في الحياة وقد تضطر تاليا الى الانتحار او الهرب الى المجهول. وهناك افلام كثيرة غيرها يتناولها المخرجون الايرانيون وفي عام 2002 وتماشيا مع هذا الاهتمام نظمت نقابة السينمائيين الايرانيين مهرجان (خانة سينما) بالتعاون مع اتحاد نقاد السينما وخصص للافلام السينمائية التي تتناول مضامين اجتماعية تتصل بقضايا ومشاكل المرأة الايرانية المعاصرة. وتم خلال المهرجان تكريم عدد من المخرجات والممثلات الايرانيات من ضمنهن: المخرجة درخشان بني اعتماد, والمخرجة بوران درخشنده والنجمة نيكي كريمي والوجه الجديد معصومة بخشي التي قامت بدور البطولة في فيلم (بماني). وفي ختام اعمال المهرجان نال فيلم (ترانة ذات الخمسة عشر عاما) للمخرج رسول صدر عاملي جائزة المهرجان الذهبية كأفضل فيلم, وسبق لهذا الفيلم ان نال جائزة (العنقاء البلورية) كأفضل فيلم ايضا في مهرجان الفجر السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة التي اقيمت في فبراير 2002م. ويتناول المخرج صدر عاملي في هذا الشريط قصة فتاة عمرها 15 عاما تجبر على الاقتران برجل لا تحبه, ثم تطلب منه الطلاق وتضطر بعد انفصالها عنه الى السكن بمفردها في حي شعبي في تحد للأعراف الاجتماعية السائدة, وقد برع في معالجته السينمائية لظاهرة الزواج الاجباري من خلال لغة شفافة مفعمة بالمعاني الانسانية, وسيناريو محكم يشد الجمهور لمتابعة الاحداث, كما تألقت في الفيلم بطلته, وهي فتاة لا تتجاوز الخامسة عشرة من العمر خاضت تجربة التمثيل لأول مرة. وتعتبر هذه المواضيع اثيره لدى المشاهد الايراني البسيط والذي سئم الحرب والصراعات السياسية والوعود بالاصلاح خاصة وان المحافظين يحاولون احباط المحاولات الجادة التي يبذلها خاتمي منذ قدومه للسلطة في عام 97, وخاصة تلك التي ترتبط بالسينما والانفتاح. ومازال السينمائيون ينظرون الى خاتمي كمخلص لهم رغم ان القيود مازالت موجودة الا ان بعض المخرجين يعتقدون بأن العمل في ظل المنع افضل بكثير منه في الفسح, لأنه في هذه الحالة سيبدع وينتج افضل مالديه. وان كان هذا التبرير مرفوض لدى بعض النقاد والمتابعين الا ان النظرة العامة للسينما تفيد بالتطور المستمر وعدم وقوف العوائق المختلفة امامها. من فيلم الأسوار