وفقا لتجارب شخصية، تأكد لي أن البيتزا تصل أحيانا إلى منازلنا قبل الدفاع المدني، ونزيد أنها قد تصل قبل الإسعاف أيضا وربما المرور! قطاع المطاعم الخدمية النشط تحدى ظرف الخرائط التائهة وواجه بشجاعة فوضى العنوان، وهانحن وأطفالنا نستمتع بوجبة سريعة ساخنة احضرها سائق سريع بعد أن تلقى الاوامر من (رقيب) المطعم الذي وضع خريطة الحي على طاولة مكتبه ووضع عليها علامات ترميز الزبائن، فبدت الخريطة وكأنها ميدان حرب تتحرك فيه الأهداف العسكرية والقطع البحرية. أنا شخصيا لايعرف مسكني في هذا البلد إلا مطعمان وموزع فاتورة الهاتف النشط، والباقون ممن يحتاجون إلي وأحتاج اليهم من شركات ومؤسسات وخدمات تجارية متنوعة، يقفون على ناصية شارع عام في أطراف الحي ويضعون في أعلى الجيب ورقة حمراء ليسهل التعرف عليهم! ندخل القرن الجديد ونحن من أكبر اقتصاديات المنطقة، ومازلنا بلا عنوان معروف، ورغم أن جهودا بذلت للترقيم والترميز والتسمية، إلا أن التوسع المتسارع في مدننا الكبرى كان أشبه بالطوفان الذي غمر كل المحاولات، والتكلفة التي ندفعها اليوم للتعرف على عنوان عميل ومحاولة الوصول إليه تكفي لتغطية مصاريف مشروع التسميات وتزيد. الغائب ليس توقف المشروع في مراحله الأولى، بل ان التسميات لا تفيد طالما انعدمت الخرائط، الخرائط المفصلة التي تباع في مدن العالم في جميع محطات الوقود أو بآلة شبيهة بآلة الشراء الذاتي للمرطبات، او حتى في أكشاك الصحف، خرائط تحوي كل التفاصيل، شوارع وطرقات وأرقام مساكن مرتبة، ويكفي أن تطلق نظرة سريعة على الخريطة لتتجه الى هدفك الصغير الذي يبعد عشرات الكيلومترات أو حتى في الضواحي دون أن تعيد النظر. نحتاج الى قفزة حضارية وحملة تطبيع مع الخريطة على كل المستويات لنتعرف على اسلوب قراءتها وأن نجعل منها جزءا من حياتنا اليومية بدءا من مراحل التعليم الأولية، لننشىء جيلا يعتمد على الأدوات والوسائل الحديثة في التنقل والحركة، ويترك لنا نحن جيل (الكروكي) تراثا لن ننساه وحكايا مسلية تثري السامعين من حفدتنا. قد يبدو غريبا ومضحكا، لكنها الحقيقة، إننا في المملكة العربية السعودية نهتدي الى أبعد نقطة في صحراء الدهناء او النفود او الصمان وسط الكثبان وبحار الرمال، ونبلغ نقطة الهدف الذي قد يكون واحة صغيرة لا تتجاوز مساحتها أمتارا بفضل أجهزة اهتداء الأقمار الصناعية (جي بي اس) في حين نعجز عن الوصول إلى مبنى وزارة النقل في قلب العاصمة دون أن يتطوع فاعل خير عند إشارة مرورية لإرشادنا.