لا تقف الإعاقة حاجزاً في طريق التقدم والإبداع بل قد تكون هي الحافز الذي يقوي إدارة ذوي الإعاقة وبنجاحهم في الحياة والسمو بهم لمراتب التميز والإعجاب وذاكرة المجتمع تزخر بأمثلة كثيرة لفلاسفة وأدباء وعلماء نجحوا وأبدعوا وسجلوا تقدماً لافتاً وإنتاجاً جعلهم محط إعجاب وتقدير لأبناء البشرية جمعاء. هذه الفئة لم تكن اعاقتهم ومعاناتهم وسيلة لليأس والاستسلام بل حولوا الجوانب السلبية في حياتهم الى جوانب إيجابية عظمة وإنتاجاً، حفرت أسماؤهم سجل الخالدين ومنهم على سبيل المثال (هيلين كيلر) هذه المعجزة في حد ذاتها . تقول هيلين كيلر عن نفسها ان حياتها كانت قصيرة العمر سنة واحدة لم تكتمل فصولها الجميلة فقد نزل بها المرض فأغلق عينيها وأذنيها وأدخلها في حالة من الغيبوبة أعتقد الأطباء خلالها أن حظها من الشفاء قليل وبدأت (كيلر) تتعود على السكون والظلمة الى أن حضرت أستاذتها (آن سوليفان) التي تقول (كيلر) عنها إنها أعادت لها حريتها المقيدة فقد أشرفت على تعليمها حتى تمكنت من امتلاك مفاتيح اللغة ومعرفة كلمات تدل على الأفكار والأشياء واصلت تعليمها بدأت تخطو نحو التقدم رويداً حاولت من خلالها تثقيف نفسها، والحدث المهم في حياة (كيلر) إنها قامت لزيارات بوسطن وهي في الثامنة من عمرها وزيارة مدرسة العميات والمكوث فيها بعض الوقت ومما زاد سرورها كلامها مع أطفال يعانون نفس المشكلة ويتكلمون لغة خاصة . وفي العاشرة من عمرها تعلمت النطق وتروي إنها لم تنسى أول جملة نطقتها (الجو دافئ) إنها جملة غامضة ومتقطعة ولكنها كانت كلمات إنسان حرر نفسه ممن سجن الصمت الرهيب إلى دنيا حيث ترنم الشفاه أناشيد الحي وأحاديث القلوب، وبهذا الحدث البهيج أحست بضرورة العودة إلى البيت لأنها على حد تعبيرها خلقت خلقاً جديداً . وقصة (مالك الجليد) التي كتبتها (كيلر) وفرحت بها وتوخت المكافآت عليها لقيت نقداً بشأنها على اعتبار أن أحداث القصة موجودة في كتاب قديم.. قد روته لها معلمتها فاختزنت ذاكرتها مادته فروت ذلك في مذكراتها. وبعد قصة " مالك الجليد" التي تركت أثرا بالغاً في ذهن " كيلر" وفي رغبتها في الكتابة. كتبت قصة قصيرة وأرسلتها إلى إحدى المجلات ولقت صدى وإقبالا. ثم واصلت " كيلر" تعليهما إلى أن وصلت الجامعة وبذلك تحقق حلمها في مواجهة الصعاب وقهر عجزها بعد تخرجها انصرفت للقراءة والتأليف وقد مكنتها شهرتها من التنقل إلى البلدان الأخرى والتكريم من سائر رجال الفكر. ومن مؤلفاتها " قصة حياتي" وتروي "كيلر" في مقالها " لو أبصرت ثلاثة أيام" ان أفضل الطريق وأحسنها هي أن نعيش كل يوم كما لو أننا سنموت غداً فإن مثل هذا الشعور منا سيقوي من قيمة الحياة ومتعتها في نظرنا بحيث ندرك النعم التي تحيط بنا" ولقد أقنعت نفسها منذ زمن بعيد أن هؤلاء الذين يبصرون لا يرون إلا قليلاً وأن نور البصير على حد اعتبارها " من أجمل وأروع ما يدخل البهجة إلى النفوس" بالأستناد إلى هذه المذكرة لكيلر يتضح لنا أنها عانت منذ السنة الأولى من عمرها كثيراً من عماها ومن صممها غير أنها تمكنت من أن تعيش حياة متكيفة مسرورة في أماكن عدة خلال مراحل حياتها وبظروف مختلفة. باختصار إنها المرأة المعجزة التي صارعت المرض وتقلبت بعزمها وقوة إرادتها على عجزها وقهرت بإصرارها ظلمة العمى وسكون الصمم وتفوقت على نفسها مما جعل من سيرة حياتها مثالاً متميزاً لدروس في المواجهة والتحدي والإرادة والنجاح. فاطمة الخماس عن كتاب: " معاقون لكن عظماء" د. جليل وديع شكور