هناك وفي هونج كونج وبمنطقة سكنية تدعى مساكن حدائق أموى سجلت السلطات الصينية حالات إصابات تنفسية حادة بين سكان المنطقة الذي أدى إلى وفاة الكثير من المصابين. وبدا حينئذ أن المرض ليس كالمعتاد وبدا أن لكل منطقة من مناطق العالم الثالث نكبات ونكبة جنوب شرق آسيا هي من الأمراض القاتلة. فلسنا ببعيدين عن وباء الانفلونزا الذي أرعب العالم وقتل ما يقارب 40 مليونا في عام 1918م وقيل حينئذ انه انفلونزا الدجاج أو قد يكون الخليط الجيني الناتج من اصابة الخنازير بانفلونزا الدجاج وانفلونزا الانسان. ولكن هذه المرة لم يكن المسبب هو فيروس انفلونزا الدجاج. وبدأ البحث عن المسبب وكان ذلك في الاسابيع الأولى من شهر مارس 2003. وفي هذا الشهر تزامنت رؤيتنا لسقوط شهداء حرب العراق وضحايا مرض الالتهاب الرئوي الحاد القاسي أو بما عرف بمرض سارس (SARS) Sever Acute Respiratory Syndrome. وعندما وردت التقارير لمنظمة الصحة العالمية WHO عن ظهور حالات تلو الأخرى في المناطق المجاورة من الصين وغيرها بدأت سلسلة من الاجراءات الفورية لمعرفة سبب المرض والحد من انتشاره. وللأسف انتقل المرض من جنوب شرق آسيا الى مناطق بعيدة عبر المسافرين وظهر في كندا ودول أخرى كثيرة. في الثاني عشر من مارس ظهر أول نداء من منظمة الصحة العالمية كاستجابة مباشرة لانتشار مرض سارس. وفي 15 من شهر مارس 2003 أصدرت منظمة الصحة العالمية نصائح طارئة للمسافرين تبعتها نشرة أخرى في 27 من نفس الشهر وذلك للحد من انتشار المرض وتفشيه على سطح المعمورة. وشملت هذه النشرات نصائح وتوجيهات للمسافرين عن المرض وطرق انتشاره وكيفية تلاشي الاصابة. ورغم ذلك نسمع كل يوم عن ظهور حالات في مناطق جديدة والتي قد يكون انتقل اليها مصابون من سكان المناطق الموبوءة أو عاد اليها مواطنون كانوا في رحلات لتلك المناطق. وحتى الآن مازالت الحالات التي أعلن عنها قليلة ولكنها قد تنفجر الى أعداد متضاعفة اذا لم تواجه المشكلة. حتى الآن (5 مايو 2003) تم تسجيل 6583 حالة (4280 حالة في الصين) مات منها 461 (206 حالات وفاة في الصين) وشفي منها 2764 في 30 دولة. و(سارس) مرض تنفسي خطير تم تسجيله في مناطق شرق وجنوب آسيا وترونتو بكندا. وأعراضه هي ارتفاع في درجة الحرارة الى أكثر من 38 درجة مئوية، سعال جاف، ضيق في التنفس واحتقان في الزور مع تغيرات في الرئتين تدل على التهاب رئوي وتظهر بأفلام أشعة إكس. ومعظم الحالات التي سجلت كانت بين الأعمار 2570 سنة مع حالات قليلة بين الأعمار الأقل من 15 سنة. فترة حضانة المرض (اي من الاصابة الى ظهور الأعراض) من 210 أيام بعدها يبدأ المرض بأول علاماته وهي الحمى التي يتبعها أحيانا رجفات وصداع وألم في العضلات وقد تظهر أعراض رشح في البداية في حالات بسيطة. أما الأعراض العصبية فهي لم تسجل والاصابات المعوية غير متوقعة بالرغم من ظهور حالات اسهال عند عدد قليل من المرضى عند ارتفاع درجة الحرارة ولكن لم يسجل هذا إلا في حالات قليلة من مصابي أموى بهونج كونج. أما الخطورة فتبدأ بعد 37 أيام من ظهور الأعراض حيث تصاب الرئتان مصحوبة بسعال جاف وضيق تنفس وقلة أكسيجين وقد يحتاج 1020% من المصابين الى الوضع في غرفة العناية المركزة وتنفس صناعي. ونسبة الوفاة حسب أرقام تقارير منظمة الصحة العالمية هي 14%. وحتى الآن يعتقد أن المسبب فيروس من الفيروسات التاجية Coronavirus وسميت التاجية لأن سطحها الخارجي مغطى ببروزات تجعلها تشبه التاج وذلك عند فحصها بالمجهر الالكتروني. وهذه الفيروسات عرفت كمسببات لأعراض برد عام في الانسان وكانت تصيب الأجزاء التنفسية العليا فقط ولكن هذه المرة امتدت الاصابة الى الأجزاء السفلى من الجهاز التنفسي. فهل هذا نوع جديد بطفرة جديدة من الفيروسات التاجية؟ وهذا ما يتوقعه بعض العلماء. وهناك أنواع من الفيروسات التاجية تصيب الحيوانات والطيور بأعراض مختلفة منها تنفسية وهضمية أو حتى عصبية. ومن المعتقد أن هذا الفيروس الذي يسبب السارس هو نوع متطفر من أصل حيواني أو طيري ولذلك فقد ظهر بأعراض جديدة. ونفس الشيء كان متوقعا مع فيروس الانفلونزا الذي هاجم الانسان بنفس المناطق منذ سنوات قليلة.. وما زال البحث جاريا. والجدير بالذكر ان مقاومة فيروس مرض سارس للظروف البيئية تختلف عن مقاومة الفيروسات التاجية لنفس الظروف. حيث ان فيروس سارس يحتفظ بعدوانيته وضراوته لمدة يومين في البراز ولمدة 24 ساعة في البول. ويحتفظ الفيروس بعدوانيته وضراوته لمدة لا تقل عن 4 أيام في براز الأشخاص المصابين بالاسهال وذلك نتيجة لانخفاض درجة الحموضة. ولكن ينصح وبشدة استخدام المطهرات لتطهير وتنظيف أغراض المريض حيث ان فيروس سارس حساس لمعظم المطهرات المتداولة في الأسواق. والسؤال هو: هل هذا الفيروس هو المسبب الحقيقي والوحيد لمرض سارس؟ والاجابة غير معروفة. إذ ربما يشترك مع هذا الفيروس عامل آخر فيروسي أو بكتيري ولابد من عزل الفيروس بصورة نقية واحداث نموذج حيواني تجريبي للمرض في حيوانات التجارب. بالرغم من ذلك هناك تقرير يؤكد ان فيروسا تاجيا هو سبب مرض سارس. وأطرح هنا سؤالا مهما: من هم الأشخاص المعرضون للإصابة أو المتوقعون؟ الأشخاص المتوقعون هم الذين دخلوا المملكة عائدين من هونج كونج أو دول مجاورة سواء كانوا مواطنين أو مقيمين حيث ان طول الرحلة على متن الطائرة قد يعطي فرصة لنقل العدوى فيجب أن يراجع هؤلاء الأفراد الأطباء المختصين عند شعورهم بأي عرض من الأعراض التي سبق ذكرها. أما الأشخاص المعرضون فهم الذين يحتكون بالمصابين لفترة معقولة. وبالرغم من ذلك فإن دولة مثل انجلترا التي يدخلها آلاف العائدين من هونج كونج يوميا والذين يتم فحصهم صرحت بأن حجم الخطر أقل بكثير من عدد العائدين عن طريق المطارات والخطر في بلادنا أقل بكثير من دولة مثل انجلترا. ولكن مازال بوطننا مقيمون من جنوب شرق آسيا ويجب النظر في العائدين حديثا او الذين هم في طريقهم الى الدخول وذلك بفحصهم على الأقل اكلينيكيا قبل اختلاطهم بأبناء الوطن. ونفس الكلام للعائدين من هونج كونج، سنغافورة، فيتنام، تايوان، بكين، جوانج دونج، خاصة اذا شعروا بالأعراض خلال 10 ايام من عودتهم. وأما عن أطفالنا وتلاميذ المدارس فلا خوف عليهم لأنهم غير معرضين للاصابة. ويجب عدم الانزعاج عند الاصابة بأعراض برد ورشح وزكام وسعال طالما أنك لم تكن من الأشخاص الذين قد تعرضوا لمرض سارس في آسيا أوعلى متن طائرة أو عن طريق أحد المختلطين معك والذين يعتقد اصابته بمرض سارس. وفي نفس الوقت يجب عدم الاستهتار وعلينا الأخذ بأسباب الشفاء من الراحة التامة والغذاء السليم والعلاج الأعراضي بعد زيارة الطبيب. وأتوقع أن نسبة الوفاة 14% التي هي نسبة ليست مخيفة وهي معناها أن من بين كل 100 مصاب يموت 14 وهؤلاء لابد أن أعمارهم كبيرة أو ذات مناعة منخفضة أو نقص غذاء أو من المستهترين لأنه مازال هناك 86% يشفون من المرض بإذن الله بعد أخذهم بأسباب الشفاء فإن الله لم يجعل داء إلا وله دواء. * أستاذ علم الفيروسات جامعة الملك سعود