تتجه أنظار الخليجيين اليوم إلى العاصمة الكويتية التي تستضيف القمة الخليجية ال34، في ظل الازمات التي تجتاح اقتصاديات العالم، والتي قد تنعكس بشكل مباشر على اقتصاديات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي. وحدد مختصون ومحللون اقتصاديون أبرز التحديات التي تواجه اقتصاديات المجلس في حاجة القرارات التي تنبثق عن اجتماعات زعماء دول المجلس إلى قرار يعطي تلك القرارات قوة تنفيذية حتى لا تصطدم قرارات المجلس بأنظمة الدول الاعضاء، مشيرين إلى أبرز القرارات التي أقرها المجلس في قمم سابقة ولم تنفذ على أرض الواقع كالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي المشترك. وأشار أمين عام اتحاد مجلس الغرف الخليجية عبدالرحيم نقي إلى أبرز التحديات والتي تتعلق بقرارات الوحدة الاقتصادية الخليجية التي تعتبر الحدث الاهم على مستوى اقتصاديات المجلس، إذ لا نرى تطبيقا فعليا لكل ما ينبثق عن القمم السابقة مشيرا إلى أن أبرز تحدٍ يواجه المجلس هو تفعيل دور السوق الخليجية المشتركة وتفعيل هيئة الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة، وهي قرارات مضى على صدورها عدة سنوات ولم تكتمل على أرض الواقع. وقال نقي: إن من أبرز المطالب التي رفعت من قبل اتحاد مجلس الغرف للمجلس هي المطالبة بإشراك القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية لدول المجلس وحركة انسياب البضائع بين دول المجلس. وطالب نقي بإيجاد قرار يعطي جميع القرارات الصادرة عن اجتماعات المجلس قوة التنفيذ لتحقيق القوة التكاملية الاقتصادية للمجلس للوقوف في وجه الازمات الاقتصادية التي يتعرض لها العالم. وقال المحلل الاقتصادي نجيب الشامسي: إن دول المجلس تحتاج إلى تعزيز العمل الاقتصادي بشكل أفضل لأن هناك تحديات واضحة نتيجة تداعيات الازمات الاقتصادية العالمية التي ما زالت واضحة والتي انعكست آثارها على اقتصاديات دول المجلس، ولأن هذه الأزمات تحدث في جميع دول العالم فإن دول المجلس جزء لا يتجزأ من العالم وجب على دول المجلس أن يكون هناك قاعدة متنوعة للاقتصاد والبعد عن الاعتماد على النفط كمصدر للدخل والمساهم الاكبر في الناتج المحلي للدول، لافتا إلى أن وجود قاعدة منوعة زراعية صناعية تجارية تساهم في تحقيق الامن الاقتصادي لدول المجلس لتلافي أي أزمات عالمية قد تنعكس مباشرة على المنطقة. ويرى الشامسي أن كل قرار تصدره القمة يجب أن يفعل على أرض الواقع في كل الدول، مطالبا بتشكيل لجان تنبثق عن القمة لمتابعة تنفيذ وتطبيق هذه القرارات في كل دولة على حدة، مستشهدا بعدد من القرارات التي أقرت في القمم السابقة ولم تطبق فعليا على أرض الواقع كالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والتي لا تزال تصطدم بعقبات تقف في طريق تنفيذها. وأشار الشامسي إلى أن أي منظومة دولية لا بد أن تسير وفق خطة منظمة تعنى بتنفيذ وتطبيق المراحل بحسب الاولويات فلا يمكن تخطي مرحلة إلى ما بعدها دون تنفيذ المرحلة السابقة، وهذا ما أخر تطبيق بعض القرارات التي أقرها المجلس في قمم سابقة. وشدد الشامسي على ضرورة وجود آلية واضحة لتنفيذ قرارات المجلس في كل دولة تعنى بالعمل الموحد المشترك. الأهداف والبدايات من الأهداف الرئيسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين، بما في ذلك تنسيق سياساتها وعلاقاتها التجارية تجاه الدول الأخرى، والتكتلات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية، لتقوية مواقفها التفاوضية وقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية كما جاء في الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون. وللوصول إلى هذا الهدف، حددت الاتفاقية عدداً من الوسائل من بينها عقد الاتفاقيات الاقتصادية الجماعية في الحالات التي تتحقق منها منافع مشتركة للدول الأعضاء، والعمل على خلق قوة تفاوضية جماعية لدعم مركز دول المجلس التفاوضي مع الأطراف الأجنبية في مجال استيراد وتصدير منتجاتها الرئيسية، ولتحقيق ذلك: * أقرّ المجلس الوزاري في دورته الحادية عشرة (يونيه 1984م) مبدأ الدخول في مفاوضات مباشرة بين دول المجلس كمجموعة وبين الدول والمجموعات الاقتصادية الدولية، ابتداء بالجماعة الأوروبية واليابان ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية. * كما قرر تشكيل فريق من الخبراء (الفريق التفاوضي) بهدف مساعدة الأمانة العامة في اتصالاتها مع الدول والمجموعات الاقتصادية نيابة عن دول المجلس، والذي يتولى رئاسته المنسق العام للمفاوضات. * فوّض المجلس الأعلى في دورته السابعة (أبوظبي، نوفمبر 1986م)، المجلس الوزاري باعتماد أهداف وسياسات التعاون مع الدول والمجموعات الاقتصادية الدولية. وفي ظل الاتجاه العالمي نحو إقامة التكتلات الاقتصادية، وتزايد قوى العولمة وما تتضمنه من تحرير للتجارة والاستثمار، أصبح لزاماً على دول المجلس أن تتبنى استراتيجية موحدة لعلاقاتها مع الدول والمجموعات والمنظمات الاقتصادية الإقليمية والدولية، مبنية على التعامل مع هذه المستجدات. لذا، وافق المجلس الأعلى في دورته الحادية والعشرين (المنامة، ديسمبر 2000م) على الاستراتيجية طويلة المدى لعلاقات ومفاوضات دول المجلس مع الدول والتكتلات الإقليمية والمنظمات الدولية، التي ينبغي على دول المجلس انتهاجها في مفاوضاتها وعلاقاتها مع الدول والتجمعات الاقتصادية الأخرى، وذلك للوصول إلى مرحلة الصوت الخليجي الواحد. من هذه المنطلقات بدأت الاتصالات بين دول المجلس وعدد من الدول والمجموعات الدولية بهدف إيجاد الوسائل لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية معها. والبداية كانت مع الاتحاد الأوروبي، ومن ثم مع دول ومجموعات أخرى. وفيما يلي استعراض لما تم إنجازه في هذا الإطار. 338 مليار دولار استثمارات دول المجلس الصناعية من جهتها كشفت «منظمة الخليج للاستشارات الصناعية» (جويك) عن تطور الأنشطة الصناعية بدول المجلس، حيث حدثت قفزة في عدد المصانع والعمالة وحجم الاستثمارات الصناعية، فتضاعف إجمالي عدد المصانع في دول المجلس من 7089 مصنعا في عام 1998 إلى 15165 مصنعا في عام 2012، والعمالة من 559420 عاملا إلى حوالي 1.34 مليون عامل، وإجمالي الاستثمارات من 81 مليار دولار ليصل إلى 338 مليار دولار عام 2012. لافتاً إلى «تركز الاستثمارات في قطاع الكيماويات، وتكرير المواد البترولية، والمعادن الأساسية، والمعدنية الإنشائية، ومواد البناء، والصناعات الغذائية». وقد أعلنت «جويك» عن هذه البيانات خلال مشاركتها في مؤتمر «واقع وآفاق الصناعة الوطنية بدولة الإمارات العربية المتحدة» الذي انطلق الأحد في مركز إكسبو الشارقة في دولة الإمارات، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة الشارقة، بهدف التعريف بالصناعات الإماراتية وجودتها على المستويين الإقليمي والعالمي وسبل تطويرها وتنويعها. عبد العزيز بن حمد العقيل الأمين العام للمنظمة الكلمة الرئيسية في افتتاح المؤتمر تحت عنوان »الوضع الراهن للصناعة وآفاقها المستقبلية في دول المجلس»، وأكد فيها على التطور الذي شهده القطاع الصناعي الخليجي موضحاً أن «الصناعات الصغيرة والمتوسطة شكلت أكثر من 83 % من جملة المنشآت الصناعية بدول المجلس، غير أن معظم الاستثمارات الصناعية تتركز في الصناعات الكبيرة حيث تمثل أكثر من 95.8 % من جملة الاستثمارات التراكمية في القطاع الصناعي الخليجي». مشيراً إلى أن مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي «تراوحت في جميع دول المجلس بين 9.5 % و 10.5 % خلال الفترة من 2001 – 2012، باستثناء سنة 2008 فقد حدث انخفاض بسبب الأزمة المالية العالمية وبلغت النسبة حينها 8.5 %. وقد حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على نموّ إيجابي للقيمة المضافة للصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي طيلة السنوات الخمس الماضية. ولفت العقيل إلى الدور الذي تقوم به «جويك» وحرصها على دعم مشاريع التنمية الصناعية بدول المجلس، وذلك عبر تطويرها لقواعد البيانات الصناعية والاقتصادية الخاصة بالدول الأعضاء، وإعداد العديد من الدراسات للقطاعات الصناعية وطرح الفرص الاستثمارية الصناعية للقطاعات الصناعية المستهدفة مستقبلاً بدول المجلس. بالإضافة إلى تقديم «جويك» الاستشارات الفنية للقطاعين الحكومي والخاص وإعداد الدراسات والتقارير على المستوى الإقليمي ومن أبرزها مشروع الخارطة الصناعية لدول مجلس التعاون الذي سلط الضوء على الصناعات الغائبة والقطاعات الصناعية المستهدفة لدول المجلس وقد قامت المنظمة بطرح العديد من الفرص الصناعية والترويج لها بجميع دول المجلس بالتنسيق مع غرف الصناعة والتجارة ووزارات الصناعة والتجارة. وأشار الأمين العام للمنظمة إلى سعي «جويك» لمواكبة المستجدات العالمية وانعكاساتها على قطاع الصناعة التحويلية والصناعة المعرفية بدول المجلس، فهي تصدر تقريراً سنوياً حول تقييم جاهزية دول المجلس للانتقال للصناعة المعرفية، وقد أشارت نتائج هذا التقييم في السنوات الثلاث الأخيرة إلى وجود مجموعتين الأولى تضم المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر وقد أحرزت تقدماً ملحوظاً في جاهزيتها نحو الصناعة المعرفية ويمكن لتلك الدول الولوج للصناعات المعرفية بحلول عام 2020 إذا ما عملت على معالجة نقاط الضعف الموجودة حالياً. أما المجموعة الثانية فتشمل كلا من دولة الكويت، وسلطنة عُمان ومملكة البحرين وتحتاج إلى بذل المزيد من الجهود للتحول إلى الصناعة المعرفية. ونوه العقيل بما حققته دول المجلس في هذا المجال مشيراً إلى أن «الصناعات المعرفية والتجمعات الصناعية الابتكارية تستند إلى خمس ركائز، أولها الموارد البشرية، وقد أحرزت دول مجلس التعاون الخليجي تقدما كبيراً في توسيع نطاق التعليم الأساسي والثانوي والعالي، لكن في الغالب يتطلب ذلك تقدماً كبيراً في توسيع نوعية وكمية العاملين في مجال المعرفة». وتوقف عند الركيزة الثانية وهي «إطار سياسة التطوير للصناعات القائمة على المعرفة حيث تبنت دول المجلس سياسات الاقتصاد الكلي الممتازة، وتتباين أطر السياسة التجارية بين هذه الدول لكنها بصفة عامة قوية ومع ذلك هناك احتياجات معينة للتغلب على القيود». أما الركيزة الثالثة فقال عنها العقيل: «هي رأس المال والتمويل والسيولة المالية بالتأكيد متاحة في المنطقة، لكن هناك حاجة لتوسيع وتمديد الهياكل التمويلية اللازمة لتطوير الصناعات القائمة على المعرفة». واعتبر أن «نظم الابتكار وهي الركيزة الرابعة، تمثل الأصول الجماعية والعمليات التي تولد وتدفع الابتكارات في التطبيقات التجارية. ويجري وضع الأسس لنظم الابتكار الداعمة بين دول المجلس لكن المبادرات في مراحل التشكيل والتكوين وتتطلب الوقت والاهتمام لتعزيز القدرة على الابتكار».