قبل ايام قلائل كنت موجودا في مدينة القاهرة للمشاركة في مناسبة علمية، وقد عقدت العزم قبيل ذهابي الى هناك على شراء بعض الكتب المعمارية المتخصصة لاعادة الدماء الى مكتبتي القديمة نسبيا، نزلت برفقة بعض الزملاء في مدينة القاهرة فوجدناها مدينة انسانية مضيافة لا تشعر فيها بالغربة على الرغم من تضخمها واختناقها وارتفاع معدلات تلوث الهواء بها، وهذا الامر لايبدو مستغربا في مدينة يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين نسمة، لم نستمتع كثيرا بمنظر النيل الساحر نتيجة للدخان الكثيف الذي كان يخيم على المكان، فانطلقنا نجوب الشوارع والازقة والاحياء الحديثة والقديمة والمواقع الاثرية، نبحث عن العمارة والفن والتاريخ وكانت جميعها حاضرة تقرؤها في اعين الناس البسطاء المنهمكين حتى النخاع في حياة سريعة الايقاع، على احد الارصفة وجدنا مجموعة من الكتب المنثورة التي يطلق عليها (كتب الارصفة) فوقعت عيني على كتاب (عمارة الفقراء) للمعماري المصري الشهير حسن فتحي وقد قرأت بعضا منه قبل سنوات طويلة، تناولته وقلبت بعض صفحاته على عجل ثم سألت البائع (بكم هذا)؟ فقال (بجنيهين) - اي اقل من ريالين - تيقنت في وقتها أن افكار حسن فتحي تجاوزت المفهوم الضيق للعمارة وتغلغلت في كل شيء، وهذا الكتاب القيم رخيص الثمن يدلل وبصدق على ان العمارة هي الحياة وعمارة الفقراء ما هي الا حياة الفقراء وكتب الفقراء وثقافة الفقراء وابداع الفقراء، لم أتأخر أبدا في شراء هذا الكتاب وانا اعلم بأن الكتب المعمارية في المكتبات السعودية (على ندرتها) غالية الثمن وقد تصل الى بضع مئات من الريالات للكتاب الواحد، واسعار الكتب الملتهبة لدينا تدلل على شمولية مفهوم العمارة لان عمارتنا كما يشاع عنها (عمارة الاغنياء) التي تنطوي على حياة الاغنياء وكتب الاغنياء وثقافة الاغنياء، فلماذا اذا نتذمر ونشتكي من ارتفاع اسعار الكتب؟ أو لسنا اغنياء؟!!! ما أود الوصول اليه من هذا السرد هو ان اصلاح الكثير من مشاكلنا وقضايانا الحياتية يجب ان يبدأ أولا باصلاح العمارة، فعمارتنا (الخليجية) التي يعتبرها الغربيون والشرقيون عمارة فن وبذخ وترف وتبذير تستنزف اموالا كثيرة يتم تبديدها في كتل خرسانية صماء مطعمة بالزخارف والديكورات والتحسينات الجمالية غير المبررة، ونحن وان كانت لدينا بعض المشاريع الكبرى التي تؤكد مصداقية هذه النظرة تجاه عمارتنا التي يطلق عليها (عمارة النفط) فان السواد الاعظم من المواطنين السعوديين وانا احدهم من ذوي الدخل المحدود، فلماذا اذا تفرض علينا انعكاسات عمارة الاغنياء؟!! ربما نحن بحاجة لحسن فتحي آخر يعيد احياء (عمارة الفقراء) في مجتمعنا بدلا عن (عمارة الاغنياء) التي خيمت على حياتنا ولم ننعم بها فاليد قصيرة والعين بصيرة؟!!