الدلالة يقع على عاتق النظرية العامة ان تعطي نظرية تختص بالمعاني كعلم للغة المراد درسها وتسمي هذه النظرية (علم الدلالة العام). إذا كانت نظرية الفونولوجيا تعني بوصف بناء الجملة وتفسيره من وجهة نظر صوتية فان نظرية علم الدلالة تعنى بوصف بناء الجملة وتفسيره من وجهة نظر دلالية غير اننا نريد ان نسوق تحذيرا في غاية الاهمية: ان نظرية علم الدلالة خلافا لنظرية الفونولوجيا لم تتم بعد اي ان اعدادها لم يأخذ بعد شكلا نهائيا عند اللسانيين واننا لنرى ان الاقدام على اعطاء رأي نهائي هنا انما يعد من قبيل المجازفة وليس من قبيل الدقة العلمية ولكن يجب ان لا يحول هذا التحفظ بيننا وبين البحث حتى وان كنا سنرتكب بعض الاخطاء. اذا اخذنا جملة فسنجدها تحتوي على شيئين او تتكون من شيئين: 1- البنى الخارجية او الشكلية. 2- البنى الداخلية او الضمنية. لقد ذكرنا ان الفونولوجيا تدرس البنى الخارجية للجملة دراسة صوتية ونضيف هنا ان علم الدلالة يدرس او يتعلق بالبنى الداخلية ولكي تصبح النظرية ذات صفة علمية او تطبيقية يجب ان تعرض على محك التجربة، ولذا فاننا سنشترط ثلاثة شروط نرى لزاما عليها ان تستوفيها في دراسة البنى الداخلية. 1- ان يكون الاسناد المعنوي فيها محددا. 2- ان تصبح البنى الداخلية بني خارجية وذلك باجراء عملية تحويلية نحوية من غير ان يخل ذلك بالمعنى الاساس. 3- ان تنطبق هذا البنى على مجموع الشروط الشكلية التي حددتها الاصوال النحوية. ان على النظرية من ناحية اخرى ان تاخذ بعين الاعتبار نقطتين: * النقطة الاولى وتتلخص في ان طرق التركيب النوعي هي التي تحدد: 1- الوظائف النحوية. 2- نظام العناصر المؤلفة ضمن الجملة. * النقطة الثانية وتتلخص في ان اتجاهات النص التي تكونت بدخول الالفاظ الاولية وانتظامها هي البني التي تعين الشروط التي تستطيع معها الالفاظ الزائدة والجديدة ان تضاف الى هذه البنى. لعلنا نلاحظ ما لهذا من اهمية في فهم النص الادبي - شعر او نثرا - وتحليل بناه المكونة له على الصعيدين الخارجي والداخلي. ذلك ان النص يتحرك ضمن دلالاته ولا شيء يقوي على ضبط هذه الدلالاتو تحديد مواقعها او رسمها وبنائها قدر ما يقوي الاسلوب عليه ومن هنا نرى قيمة علم الدلالة بالنسبة الى التحليل الاسلوبي حيث لا غنى للجمل عنه وان اقتضاء هذا الامر انما يعني في احد وجوهه ضرورة تداخل هذين العلمين او اشتراكهما معا للامساك بالمتغيرات الدلالية التي ينطوي عليها الحدث الاسلوبي. النحو تدخل كل الاعتبارات التي عرضناها آنفا فيما نريد ان نسميه بالشروط الاولى لبدء البحث وهي بطبيعة الحال لا يمكن ان تكون البحث نفسه اذ من المستحيل علينا في الوضع الراهن لتطور علم الدلالة - كما اسلفنا - ان نصف الجمل من خلال مصطلحات عالمية لهذا العلم ولكنها على الاقل شروط بنيوية اذا تقيدت الجملة بها كان حظ قابليتها للتقسيم الدلالي بصيغته العلمية اوفر واعظم. وكان حظ الدراسات الاسلوبية للاستفادة منها اعمق واشمل ومن هنا فان على النظرية ان تدخل على الجملة وصفا بنيويا اي ان تصف البنية المكونة من مجموع العلاقات التي تقوم بدور الوسيط بين الاسناد الصوتي والاسناد الدلالي للجملة وان كان هذا الاخير لم يجد بعد المنهجية المحددة لا وحول هذه النقطة يقول ريفيه:(ان النحو هو الذي يقدم العنصر الجوهري للوصف البنيوي وهو الذي يحدد بشكل لا لبس فيه وصف الصوائت من جهة ووصف معاني الجملة من جهة اخرى). ولعلماء اللغة العربية من السلف الاول باع طويلة في هذا الميدان فالجرجاني في كتابة (دلائل الاعجاز) يدلي براي لا يقل قيمة عن غيره من اللسانيين في عصرنا الحاضر ولو اخذنا برأيه في النحو مثلا وحول هذه النقطة بالذات لوجدناه في غاية الدقة انه يقول:( ليس الا ان تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه واصوله). ولكي تأخذ الاسلوبية صبغة احصائية مستفيدة من الوصف البنيوي فمطلوب من النظرية العامة للسانيات ان تضع فرضية تتناسب ونوعية المعلومات التي ترتبط بتركيب الجملة وذلك ليتمكن كل من اللساني والاسلوبي من جعل النظرية العامة قادرة على اعطاء تعريف واضح للوصف البنيوي المتعلق بكل جملة من جمل النص المدروس وتمثيله واقعيا وتطبيقيا. ونلاحظ اننا اذا حددنا نوعية المعلومات المرتبطة بتركيب الجملة فاننا نستطيع ان نعزل كل ما لا علاقة لها بها وان من شأن هذا ان يوضح الطريقة الواجب اتباعها للانتقال الى مرحلة التطبيق واستنتاج النتائج.