عندما يهم أحدنا في حمل نفسه الى السوق بنية التبضع أو الاطلاع على محدثات الأمور التسويقية حتما لن يجد ما يعكر صفو جوه في تحقيق ما يصبو إليه اذا ما خلا السوق تماما من المتاجرة الرخيصة التي عادة ما يبديها بعض التجار أو من الاختناقات المرورية المزعجة!.. وفي كل الأحوال ستكون الخاتمة مرضية نسبيا كونك حصلت على بضاعة لم يسبق استخدامها أو معرفة تسويقية تضاف الى رصيدك الثقافي المتواضع أو النشط ان شئت.. لكن ماذا عن حال تلك الأسواق الرديفة (أسواق البضائع المستخدمة: محلات الأثاث المستعمل.. التشاليح.. وأسواق الحراج... الخ) والتي غالبا ما يرتادها ذوو الدخل المحدود والتي تحمل مسميات كثيرة تحت تصنيف شعبي محض؟!.. وما هي الكيفية التي تضمن لهؤلاء حقوقهم اذا ما بخست أو انتهكت كنتيجة للنظرة السائدة داخل هذه الأسواق والتي لا تعترف غالبا بالتعاملات التجارية المقننة؟!.. والواضح ان تلك الأسواق في مجملها.. لم تعد كما يدعيه اسمها مجمعا لكل شيء سبق استعماله.. بل انها محطة تمثل مساحة تسويقية حرة خارج حدود السوق المحلية.. البعض يراها منطقة استثمار حقيقي في ترويج وتسويق كل شيء مستعمل.. وثمة نفر يشكك في سلامة سريرة مصدر بضائعها.. والكل هنا على صواب!. فحينما نخضع (هذه الأسواق) لمعايير تجاريةمحضة نجد أن هذه المحطات تحديدا منشغلة بعقد الصفقات وتسويق منتجات غير محددة وغير مضمونة وغير قانونية وغير مصنفة وبأسعار لا تقل كثيرا أوربما تماثل أحيانا المنتجات الجديدة أو تزيد عنها في حال انعدامها تماما داخل الأسواق المعتمدة.. كما أنها أي الأسواق الرديفة غير خاضعة لأي قانون تجاري في كل ما يتعلق بتعاملاتها التسويقية.. في حين أنها منافس رديف للسوق المعتمدة في الكثير من التعاملات التسويقية.. وهناك من التجار من يطالب بوقف نشاطها المحموم لشعوره المطلق بتطفلها ومزاحمتها لكافة التعاملات التجارية والتسويقية على الصعيد المحلي. ولاشك أن هذه الأسواق تعتبر منفذا هاما لتصريف الكثير من البضائع على اختلاف أنواعها.. وهي بذلك ملزمة أن تخضع كل المقاييس لقوانين وزارة التجارة أو البلديات كونها في شكلها التقليدي شبيهة بالأسواق المعتمدة وذلك لحماية المستهلك من التعاملات غير المنطقية فيما يتعلق بآلية الأسعار بحيث لا يتجاوز السعر في كل الاحتمالات ال(50%) من السعر الأصلي لأي قطعة مستخدمة. وإذا ما غلبنا جوانب الثقة المطلقة التي يمنحها البعض لتلك الأسواق غالبا دون وجه حق وما تفرزه من نتائج سالبة وتداعيات لا تحمد عقباها أحيانا كترويج البضائع غير المعروفة أو مجهولة المصدر اذا ما غلبناها على باقي الجوانب التجارية الأخرى فإن الأمر لا يتعدى المطالبة الأكيدة في ايجاد آلية واضحة تعيد هيكلة هذه الأسواق وتساعد على لملمة شرذمتها بما يضمن وحدتها وسلامة مشروعها تحت غطاء شرعي وقانوني واضح يضمن للجميع حقوقهم. لم يكن من (اليوم) كدأبها سوى النزول الى ارض الواقع لاستطلاع ورصد آراء المستفيدين وغير المستفيدين من ذوي العلاقة ب(الأسواق الرديفة) وكيانها ونشاطها التجاري والذين يجدر بنا مشاركتهم همومهم ومنحهم سبيل الحديث عن كل ما يجول في خواطرهم تجاه هذه الأسواق وأبعادها على كافة الأصعدة. في التشاليح يستغل المستهلك في البداية التقينا السيد محمد سعيد الزهراني (صاحب ورشة لتشليح السيارات) حيث قال: ان السوق الرديف سوق قائم بذاته يساهم في توفير الكثير من احتياجات المستهلك في كافة الجوانب التسويقية وليس من الحكمة تجاهله على الإطلاق.. فهو في كل الأحوال وان تم تصنيفه ضمن أسواق الدرجة الثالثة يساهم في تحريك سوق الخردوات بشكل جيد اذ يضم الكثير من المحال التجارية ذات النشاط المحموم التي تجني من خلفه أرباحا مجزية ربما تفوق أرباح المحال الأخرى داخل السوق المعتمدة مرجعا ذلك كون هذه المحال تعتمد في استيرادها على البضائع المستعملة أو الرجعية التي لا تقل نسبة عائداتها الربحية عن (100 500%). وأضاف: ان سوق التشاليح على وجه الخصوص يتمتع بمساحة واسعة من الحرية شبه المطلقة والبعيدة كل البعد عن ملامسة القيود والالتزامات التجارية وعلى هذا القرار نجد التشاليح تصرف بضائعها المتمثلة في قطع الغيار المستخدمة بمختلف أحجامها وأنواعها بأسعار مهووسة لا تمتثل للمنطق أو القانون التجاري المفقود مشيرا الى ان هناك تجاوزات وانتهاكات غير محتملة تحدث على أرض التشاليح تتمثل في استغلال المستهلك وابتزازه دون أن تكون هناك ضوابط تحكم هذه التجاوزات أو تحد منها. وأوضح انه بالرغم من أن البعض من المستهلكين ينكر فكرة هذه الأسواق وقيامها ويعتبرها من سقط المتاع وملوثات تسيء الى السوق أكثر مما تخدمه إلا أن وجودها يخدم شريحة كبيرة من المجتمع وهي فكرة لم تكن جديدة أو دخيلة على مجتمعنا أو المجتمعات الأخرى بل ان فكرتها عامة وقائمة في الكثير من الدول الفقيرة والغنية أيضا. اشتريتها ب400 وسعرها 200 من وجهة نظره قال السيد سليمان حمد جريان: ان الكثير من المواد والأجهزة المستعملة التي يتم ترويجها على أرض هذه الأسواق ليست سوى خرداوات غير صالحة للاستخدام وعديمة الفائدة إلا ما ندر منها والتي أراد ملاكها السابقون التخلص منها وبيعها بالقليل من المال حيث تجدهم أي أصحاب تلك المحلات يتسابقون على شرائها بأبخس الأسعار.. ثم بيعها بأسعار لم تكن بعيدة عن أسعارها الأصلية. وذكر انه تعرض لموقف في وقت كان فيه بحاجة ماسة الى قطعة ميكانيكة لسيارته.. وكان الموقف ان اشترى القطعة بمبلغ 400 ريال وظن أن سعرها أكثر من ذلك وهي جديدة.. لكنه اكتشف بعد مرور شهر تقريبا من شراء القطعة أن سعرها الأصلي في وكالتها 200 ريال.. وحينما عاد لاستيفاء حقه المشروع كأقل تقدير 200 ريال من المبلغ الكامل الذي سبق أن سلمه لصاحب المحل مقابل القعطة المستعملة لم يكن من صاحب المحل إلا أن أخبره أن القطعة وقتها لم تكن متوفرة في الأسواق ولهذا السبب أوصل سعرها بمزاجية مطلقة الى المبلغ الذي سبق له وان دفعه حيث لم يتمكن حينها الرد. وطالب الجريان المسئولين في الجهات المعنية بتفعيل دورهم تجاه هذه المحال بتشكيل لجان رقابية خاصة تعمل على مراقبة هذه المحال وتقنينها لتبدو صالحة للتسوق بصورة واضحة بعيدة عن أساليب الجشع والطمع التي لم تسلم منها نفوس الغالبية من أصحابها.. وكذلك الاهتمام بالجوانب الصحية وعناصر السلامة داخل هذه الأسواق حيث لسان حالها الملوث بكل ألوان الغبار والدخان وكل الملوثات البيئية يشهد صدق تردي جوها العام المليء بالكثير من الأمراض التي تهدد الجميع.