أذن الله سبحانه وتعالى لرسوله- صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى المدينة, بعد أن هاجر قبله من أسلم من الرجال وكذلك النساء هاجرن ومن أوائل المهاجرات أم سلمة (هند بنت أبي أمية ) التي تعرضت لأذى لا يطاق من المشركين حيث انهم سحبوا طفلها الرضيع حتى خلعوا يده وقد كان للمهاجرين في ذلك الوقت الشرف الأعظم في تأسيس الدولة الإسلامية هم وإخوانهم الأنصار لما أحست قريش بانتشار الإسلام وأن هناك منعة وعزة ممن أعتنق الإسلام من غير بلدهم خاصة أنه لم يبق من المسلمين في مكة إلا من كان ضعيفا أومحبوسا أو مفتونا فخافوا خروج الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الأنصار وهم ذو شوكة قوية ومنعة ومناصرة لا يستهان بها وقرروا التخلص من خير الأنام - عليه أفضل الصلاة والسلام - وعزمت قريش على قتله وفي عتمة من الليل اجتمعوا على بابه - عليه الصلاة والسلام - يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه وثبة رجل واحد وقتله وحاصروا بيته - صلوات الله وسلامه عليه - فأوحى الله سبحانه وتعالى لرسوله وأذن له بالهجرة فأمر عليه الصلاة والسلام عليا - رضي الله عنه - بأن ينام في فراشه, ويتسجى ببرده, وأعلمه أنه لا يناله ما يكره إن شاء الله تعالى ثم أخذ عليه الصلاة والسلام حفنة من التراب وخرج وهو يقرأ (يس والقرآن الحكيم) إلى قوله تعالى (فهم لا يبصرون) فأعمى الله أبصارهم وخرج من بين أيديهم ووضع بيده الكريمة التراب على رؤوسهم وهم لا يشعرون وانصرف صلى الله عليه وسلم حيث أراد وبعد ساعة أتاهم آت فقال لهم: ما تنظرون ها هنا؟ قالوا محمدا .. فقال خيبكم الله.. والله قد خرج عليكم ثم ما ترك رجلا منكم إلا ووضع التراب على رأسه فوضع كل واحد منهم يده على رأسه فإذا التراب عليه فجعلوا يتطلعون من خلال شقوق الباب فيرون- عليا رضي الله عنه - على الفراش متغطيا ببرد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقولون إن هذا لمحمد نائم وعليه برده فلم يبرحوا ذلك حتى أصبحوا فقام علي - رضي الله عنه- عن الفراش فلما رأوه قالوا: والله لقد صدقنا الذي حدثنا وانصرفوا مخذولين مهزومين.. أما رسول الله وصاحبه فقد ذهبا لغار ثور وأقاما فيه ثلاثة أيام واشتد بحث المشركين ولكن الله كان مع رسوله فخذلهم ونصر رسوله وصاحبه (ما بالك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) (إلا تنصرونه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (التوبة) خرج الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه وسار الركب الميمون إلى طيبة الطيبة التي كانت قد سمعت بمقدمه المبارك فكانت تخرج منذ الصباح إلى خارج المدينة تنتظر ويطول الانتظار حتى يشتد الحر ولم يطيقوا احتماله فيعودوا ثم يعاودوا الخروج والانتظار حتى اليوم الذي قدم فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - وكان قد أرهقهم الانتظار حتى أنهم لم يجدوا ظلا يستظلون به فعادوا ولما سمعوا بقدومه حتى أسرعوا لاستقباله بفرحة غامرة ووصل الركب الى قباء وكان أول عمل بقباء لرسول الله - عليه الصلاة والسلام - هو بناء مسجد قباء في الفترة التي أقامها بين سكانها وهو أول مسجد بني في الإسلام وواصل الحبيب الغالي وصاحبه السير إلى المدينة التي كانت في منتهى الشوق فما يمر ببيت من بيوتها إلا ويستقبله رجاله قائلين: هلم إلينا يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة وهم ممسكون بخطام ناقته وسيد البشر يقول: (دعوها فإنها مأمورة) وخرجت المدينة بأسرها لاستقباله فامتلأت الطرقات وظهر النساء والأطفال على سطوح المنازل ينشدون والرجال يهتفون: الله أكبر جاء رسول الله , الله أكبر جاء محمد, وبركت ناقته عليه الصلاة والسلام في مكان لسهل وسهيل ابني عمرو وهناك بني مسجد الرسول - عليه الصلاة والسلام - أحد المساجد الثلاثة الذي لا تشد الرحال إلا إليها لفضلها الكبير وبني بجواره بيت الحبيب المصطفى وكانت من أهم نتائج الهجرة النبوية قيام الدولة الإسلامية التي أرست ركائز المجتمع الإسلامي على أساس من الوحدة والمودة والتكافل الاجتماعي والتآخي (إنما المؤمنون إخوة) هذه الآية الكريمة أوضحت الأساس الذي بنيت عليه العلاقات في المجتمع الإسلامي حرية وضمان حقوق ومساواة لا فرق بين عربي على أعجمي ولا بين أسود على أبيض إلا بالتقوى , انتشر الإسلام سريعا ففي عقد واحد تم توحيد معظم الجزيرة العربية تحت راية الإسلام تلتها عقود قليلة غطى نور الإسلام فيها وعم أرجاء الأرض من السند شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا وقامت حضارات إسلامية حيرت العقول في مشارق الأرض ومغاربها وستعود هذه الحضارات ويعود نصر الله المؤزر للمسلمين في كل بقاع الأرض المعمورة, هذا وعد من الله لعباده المسلمين. أما بالنسبة لبدء التاريخ الإسلامي فقد كان في العهد العمري حيث اتفق الصحابة والخليفة رضوان الله عليهم على أن يكون بدء التاريخ الهجري هو (عام الهجرة) وكان في ست عشرة أو سبع عشرة أو كما قيل ثماني عشرة وكل عام والأمة الإسلامية في خير ونصر ورفعة.