المجموعة القصصية التي حملت عنوان (الزوجة العذراء) لقماشة العليان هي المجموعة القصصية الثانية للكاتبة وقد صدرت عام 1413ه 1992م وكانت الكاتبة قد اصدرت مجموعتها القصصية الاولى التي حملت عنوان (خطأ في حياتي) قبلها بعام واحد اي في عام 1412ه. بداية يمكن القول انه بالامكان اختصار او اختزال القضية الاساسية او الاشكالية التي تقوم عليها قصص المجموعة في مقولة بسيطة ومختصرة هي:(المرأة الضحية، والرجل الجلاد). ويمكن التمثيل لهذه المقولة بالاشارة الى القصص التالية، كأمثلة فقط. في قصة (لن أعود) مريم ضحية وابراهيم ابن عمها وهو زوجها جلادها. وفي قصة (واازلت أحبه) وكان الواجب واجب سلامة اللغة ان يكون العنوان (ومازلت أحبه) اذ ان لازال كما هو معروف تستخدم للتمني امينة ضحية وفيصل جلادها. وفي قصة (ليست كأي امرأة) نور ضحية وجلادها اكثر من واحد ابوها اولا وزوجها الاول جلادها الثاني وسعد زوجها الثاني جلادها الثالث، وحاتم زوجها الثالث جلادها الرابع. وفي قصة (دموع الفرح) سلمى ضحية وزوجها ماجد جلادها وفي قصة (اشباح من الماضي) الابنة هي الضحية والاب هو الجلاد.. وهكذا وهذا الحصر للجلاد في الزوج والاب له دلالاته التي ينبغي التنبيه عليها وهو ان الجلاد اقرب الناس للضحية. في قصص المجموعة التي نحن بصددها نعثر على نمطية من انماط السرد، هذان النمطان او لنقل التقنيتان لا تتغيران في كل قصص المجموعة ان تقنيات السرد في الفن القصصي كما مارسها ويمارسها كتاب القصة والرواية اصبحت تقنيات متعددة ومتننوعة وخصوصا في العقود الاخيرة لكن الكاتبة لم تستخدم من تلك التقنيات الا نمطين هما ابسط انماط السرد ولكي يكون حديثنا واضحا وجليا نقتبس من قصص المجموعة ما يوضح تكرار هذين النمطين. النمط الاول: السرد بلسان الغائب. في قصة (الزوجة العذراء) (وقفت امام المرآة الكبيرة تمشط شعرها الأسود الكثيف... إنها تستعد للذهاب.. لقد قررت ان تذهب وليحدث ما يحدث..) وفي قصة (لن أعود) ( كانت تعلم بأنه يخونها.. وكان يعلم بأنها تعلم.. فكان يتمادى أكثر وأكثر.. وهي تعلم وتصمت.. تزوجته بعد قصة حب رائعة من طرف واحد..) وفي قصة (ليست كأي امرأة) ( كانت معقدة.. وكانت تعرف بأنها معقدة.. وسبب عقدتها هو الرجال.. انها تكرههم بشدة.. بل تمقتهم) وفي قصة (آسفه.. لم أكن ادري) (لم تكن تقصد ابدا ان تفتش اوراقه.. كانت تحاول ان ترتب مكتبته. فوجئت بل صدمت عندما وجدت رسالة حب لزوجها) اما النمط الثاني فهو السرد بلسان المتكلم: في قصة (ولازلت أحبه) (وقف امامي بمنتهي القوة و الجبروت وانا انظر الى قامته الطويلة وشبابه الجميل، بزهو شديد..) وفي قصة (أبدا لم أكذب) ( فتح لي الباب الخلفي للسيارة.. تعثرت وانا احاول الركوب.. ساعدني بحنان بالغ ودموعه معلقة بأهدابه.. انني ارى دموعه رغم انه يحاول باستماتة ان يخفيها عني). وفي قصة (عفوا.. انه خطئي) (أنا سانتحر.. ساقتل نفسي..واليكم السبب.. انا شاب في الثامنة عشرة من عمري.. في الثانوية العامة.. قوي البنية.. من أسرة غنية) وفي قصة (دموع الفرح) (الاشياء تختلط امام ناظري.. الجماد يتراقص امام عيني على دقات الدفوف.. كل شيء يتراقص حتى خيالي.. عيناي تمتلئان بالدموع) وفي قصة (اشباح من الماضي) (أنا امرأة عجوز.. لست عجوزا جدا.. ولكنني في الثانية والستين من عمري.. اي تخطيت مرحلة الشباب منذ فترة طويلة) وفي قصة (لست انا) ( كنت جالسة اخيط له ثوبه عندما دخل علي.. وقف فوق رأسي وقال بهدوء: * فاطمة!! انت طالق وفي قصة (نوع آخر من الحب) (انفاسي تتهدج.. صدري يعلو ويهبط.. تنفسي يزداد صعوبة.. دقات قلبي تتسارع بكل جنوني.. ما هذا الذي اسمعه..) وفي قصة (بقايا امرأة) (فتحت عيني المكدودتين ببطء شديد.. ضباب يخالط رؤيتي.. وخيالات مجسمة لأناس كنت اعرفهم.. كنت!! إذن.. انا لازلت حية،ولم امت بعد) وفي قصة (دموع في عينيها) (واخيرا وبعد محاولات عديدة ومناقشات حادة وتوسلات محرجة.. دخلته.. بيتي القديم.. دخلت اليه اقدم رجلا وأؤخر الاخرى.. امشي خطوة.. واتراجع خطوات) وفي قصة (يوم في حياتي) ( تحولت رؤيتي الساطعة الى رؤيا ضبابية.. او كابوس مزعج.. او حلم مستحيل.. انني اراهما بعيني الاثنتين) ان مثل هذا التكرار في نمط السرد ينبغي القول انه يفرض على هذه المجموعة القصصية رتابة كان بامكان الكاتبة ان تجنبها اياها من خلال التنويع في نمطية السرد وقد وصلت الى هذا التنويع في مواضع عديدة من قصصها الاخرى كمجموعتها (خطأ في حياتي) و و(دموع في ليلة الزفاف) على الرغم من ان مجموعة (خطأ في حياتي) صدرت قبل مجموعة الزوجة العذراء حيث صدرت 1423ه والزوجة العذراء صدرت 1413ه ويكفي ان اقف هنا.وقفة قصيرة خاصة عند القصة الاولى في المجموعة (الزوجة العذراء) احتلت القصة الاولى في المجموعة التي حملت عنوانها كما كبيرا من صفحات المجموعة ( من ص11 - ص 47) وليس طول القصة هو ما يميزها عن باقي قصص المجموعة فقط بل ما اشتملت عليه هذه القصة من سلسلة من المفاجات التي نعتقد انها وعلى هذا النحو لا تحتملها القصة القصيرة عادة كما ان هذه المفاجآت وما قامت عليه مفاجآت متكلفة اضعفت القصة الى درجة كبيرة: وكان بامكان الكاتبة ان توسع هذه القصة لتصبح رواية او ان تختزل منها بعض الاحداث التي لم يكن لوجودها كبير فائدة. سارة فتاة دميمة الخلقة تغار كثيرا من شقيقتها مريم التي كانت على درجة كبيرة من الجمال. تحدث المفاجأة الاولى وهي مفاجأة مبررة وغير مستغربة عندما تتقدم ام شاب من الجيران لخطبتها لابنها وتتم الخطبة ويتم الزواج من ذلك الشاب سعيد وتزول دهشتنا واستغرابنا عندما نكتشف ان سعيد اكثر دمامة من سارة وكأن الكاتبة قد تعمدت ان تصنع توافقا بين الشخصيتين في القصة من حيث الشكل لكن المفارقات كانت في المضمون. اما المفاجأة الثانية وهي مفاجأة مبررة ايضا فتظهر عندما يخبرها سعيد انه عاجز جنسيا. بعد هاتين المفاجأتين تنعقد سلسلة المفاجآت الغريبة التي تتسم بالسذاجة والتكلف الواضح سعيد زوجها يأتي الى منزل الزوجية كل ليلة في وقت متأخر جدا من الليل وهو ملطخ بالدماء وجهه ملىء بالخدوش والجروح وثيابه ممزقة تسأله سارة عن السبب فلا يجيبها بشىء .. ويتكرر خروج سعيد كل ليلة وعودته في ساعة متأخرة وفي كل مرة على مثل تلك الحالة.. ملطخ بالدماء.. ممزق الثياب وعندما تنجح سارة في كشف المكان الذي يقضي فيه جزءا كبيرا من الليل.. تلح عليه في اخبارها بما يجري.. فيعترف لها.. لقد كان فتاة ثم اجريت له عملية جراحية حولته الى رجل. كان يمكن للقصة ان تنتهي عند هذا الحد.. لتكون بالتالي قصة ناجحة.. لكن القصة لاتنتهي.. يظل سعيد يذهب كل ليلة الى المستشفي طالبا من الاطباء اعادته الى انوثته التي كان عليها في السابق.. يضربه الممرضون والاطباء والموظفون (هكذا وبكل بساطة!!) ويطردونه.. ولهذا كان يرجع الى البيت ممزق الثياب ملطخا بالدماء.. ويستمر على اصراره وذهابه الى المستشفى ليلاقي ما لاقاه في ليال سابقة الى ان يمل الاطباء منه فيقومون باجراء عملية له تعيده الى انوثته السابقة. وهكذا كأن قضية التحول من انثى الى رجل ثم من رجل الى انثى على مثل تلك البساطة التي صورتها لنا القصة.. والتي يمكن ان يقوم بها الاطباء وفق امزجتهم وبناء على الحاح مرضاهم من الامور البسيطة والسهلة التي تتم وفق قناعة تامة من المجتمع ثم من التزام الاطباء بشرف المهنة ورعاية الناس نفسيا وجسميا.. وتنتهي القصة بعودة سعيد الى ما كان عليه.. انثى.. تصبح صديقة لمريم.. تزورها في بيتها.. وكأن شيئا لم يكن!! ولذلك لم تكن القصة وفق هذه النهاية جاذبة للانتباه ولا محققة للهدف الفني منها واعتقد ان الكاتبة كانت تريد ان تصل الى اثبات بعض الحقائق التي تؤكد من خلالها على وجود ثغرات في النسيج الاجتماعي ثم في الالتزام الاخلاقي لمن وكلوا بمتابعة صحة الناس وسلامتهم. ولكنه يمكن القول ان هذه المجموعة القصصية قد وفقت فيها الكاتبة في اختيار شخوصها وتوزيع ادوار هذه الشخوص توزيعا ينم عن قدرة فنية وامتلاك لأدوات القصة..