من اشهر المقامات العربية (مقامات الهمذاني) و(مقامات الحريري) وهناك آخرون الفوا في فن المقامة منهم جلال الدين السيوطي الذي اشتهر بكثرة مؤلفاته وتنوعها. وحول مقاماته صدر للدكتور عوض الغباري الاستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الاداب بجامعة القاهرة كتاب (مقامات السيوطي) عن دار الثقافة العربية ويشير المؤلف الى اهمال دراسة مقامات السيوطي حيث يذكر انها لم تحظ باهتمام الدارسين مع اهميتها وتنوعها وتميزها الفني ودلالاتها على الشخصية الادبية للسيوطي وقد اهملت دراستها وطغى عليها الجانب العلمي الذي اشتهر به السيوطي واهتم به الدارسون قديما وحديثا وغطى هذا الجانب على الجانب الادبي وكان حريا به ان يستأثر بالاهتمام لانه لايقل اهمية عن الجانب العلمي في الدلالة على شخصية السيوطي. وتتميز مقامات السيوطي بكثرة عددها وطولها فهي ليست مثل مقامات الهمذاني والحريري احاديث قصصية قصيرة وعلى سبيل المثال فان مقامة (طراز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة) تجاوز عدد صفحاتها المائتي صفحة من القطع الكبير وتتضح شخصية السيوطي الموسوعية في هذه المقامات اذ نجد علوم وفنون التراث العربي الدينية واللغوية والفكرية والثقافية. ومن المقامات عند السيوطي مقامات المناظرات التي تختلف عن مقامات الهمذاني والحريري شكلا ومضمونا واهم معالم هذا الاختلاف توظيف المقامة السيوطية للشكل القصصي بهدف ابراز القدرة على الحوار وعرض جوانب الثقافة الموسوعية وقد حفلت مقامات المناظرة السيوطية بمادة ادبية شعرية ونثرية غزيرة كما تجلى فيها الاقتباس من القرآن الكريم والتأثر بالحديث النبوي الشريف وشكل التناص من هذا التراث العربي الاصيل معلما مهما من معالم تميز المقامة المصرية. يشير المؤلف الى ان مقامات السيوطي نجد فيها جوانب من سيرته الذاتية من خلال تجاربه الانسانية فمثلا في مقامة (الكاوي في تاريخ السخاوي) يرد السيوطي على السخاوي مدافعا عن نفسه ازاء الاتهامات الظالمة التي وجهها له السخاوي في كتابه (الضوء اللامع) فيلتزم السيوطي في حواره مع خصمه ادب العلماء، مبتعدا عن التشهير والتجريح وكذلك فعل السيوطي مع آخرين مثل ابن الكركي. وقد تعرض السيوطي لفترة شديدة من فترات حياته ترك فيها التدريس معتزلا الناس الى العلم وقد عبر عن هذا في المقامة اللؤلؤية التي تمثل صدى لهذه المشاعر الاليمة التي عبر السيوطي عنها مقدما صورة يائسة لما وصل اليه حاله وقد اعتذر عن تركه للتدريس والفتيا والقضاء اذ لم يجد ثمرة لاخلاصه وجده وعلمه واخلاصه وتحريه للحق والعدل فيها الا المرارة والاسى لما رآه من الجحود والنكران والحسد والعداوة والعدوان راسما صورا متتابعة في هذه المقامة لخبرة اليمة عانى صاحبها على مر حياته من غدر الناس وخداعهم فآثر ان يلزم بيته حفظا لكرامته في تعبير له دلالة مهمة على ما آله اليه حال العلماء وهو امامهم في عصره من علو قدر الادعياء منهم ومهانة الاصلاء وهوانهم على الناس مما لم تقبله نفسه الأبية وقد ترفع عن الصغار وابى نفاق السلطان واثر العزلة عن الاحياء دون الحياة وقد وهبها مؤلفاته التي ماجت بما ماج به عقله وفكره من عطاء لا ينضب معينه. وقد ظهرت الثقافة الموسوعية في مقامات السيوطي فقد عاش في العصر المملوكي في مصر الذي امتاز بتأليف الموسوعات العربية مثل النجوم الزاهرة لابن تغري بردي وبدائع الزهور لابن اياس ونهاية الارب للنويري وصبح الاعشى للقلقشندي ولسان العرب لابن منظور.