يتكشف يوما بعد يوم زيف مزاعم القوات الأمريكية والبريطانية الغازية للعراق بشأن تحقيق انتصارات مع مرور أيام الحرب. وظهر ذلك جليا منذ اليوم الأول للغزو عبر بث بيانات تفتقد إلى الدقة. وتساهم وسائل الإعلام في إجبار مروجي تلك المزاعم على تكذيبها بعد اكتشاف عدم دقتها أو خطئها التام. وتتراجع الولاياتالمتحدةوبريطانيا اللتان تلهثان وراء أي أخبار سارة من ميدان المعركة بشكل يومي تقريبا عن مزاعم بتحقيق انتصارات في العراق بعد التسرع بإعلان هذه المزاعم ضمن حرب الدعاية. وشهد أول أمس الاثنين أحدث مثال على ذلك عندما تراجعت القوات البريطانية عما زعمته الأحد عن أسر ضابط كبير في الجيش العراقي برتبة لواء في اشتباكات مع رجال المقاومة بجنوب العراق. وقالت إنها لم تتمكن من تحديد هوية هذا الضابط. وجاء التراجع البريطاني بعد إجراء قناة الجزيرة مقابلة مع الجنرال الذي زعمت القوات البريطانية أسره. ومن المزاعم الأخرى التي بدا أول الأمر أنها تعطي بريطانياوالولاياتالمتحدة ذخيرة دعائية مهمة الإعلان المتكرر عن سقوط مدينة وميناء أم قصر. كما زعم مسؤولون أمريكيون أيضا أن قائدا عراقيا كبيرا استسلم وظهر فيما بعد على شاشة الجزيرة لينفي بنفسه المزاعم عن استسلامه. ومع مرور12 يوما فقط من الحرب طالت قائمة المزاعم التي تفتقد الى الدقة حدوث تمرد شعبي في مدينة البصرة، وقد نفى العراق هذه التقارير ووصفها بأنها "هلوسة" فيما كانت شبكات التلفزيون العربية تنقل صورا بدت فيها شوارع البصرة هادئة تماما. لكن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التجأ لأسلوب المراوغة وقال إن ما حدث كان"انتفاضة محدودة". وفي مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الأسبوع الماضي زعم بلير أن العراق أعدم جنديين عرضت قناة الجزيرة صور جثتيهما. وتراجعت الحكومة البريطانية في وقت لاحق عن هذا الاتهام بعد أن قالت قريبة أحد الجنديين لصحيفة بريطانية إن الجيش أبلغها بأن الجندي قتل في العمليات العسكرية. وسبقت تلك المزاعم الإعلان السابق لأوانه عن سقوط مدينة البصرة ثانية كبرى المدن العراقية ثم بدا عكس ذلك، حيث لا تزال البصرة صامدة حتى اليوم في وجه القوات الغازية. وتحدث الرئيس الأمريكي عن رجل ترك ينزف حتى الموت بعد أن قطعت الحكومة العراقية لسانه. ولكن لم يظهر ما يدعم هذه المزاعم على الإطلاق. مبررات الوقوع في الخطأ وبعد كل ما سبق يتبادر إلى الأذهان سؤال يطرح نفسه وهو لماذا تسقط الولاياتالمتحدةوبريطانيا في مأزق واحد أكثر من مرة؟ ( أي مأزق زيف مزاعمهما). يقول محللون إن جزءا من المشكلة يعود إلى أن بريطانياوالولاياتالمتحدة تتعرضان لضغط سياسي يدفعهما إلى تصوير هذه الحرب على أنها تحقق نجاحا مع افتقادهما إلى إستراتيجية واضحة للحرب النفسية. وهذا الأمر يأتي على خلفية حاجة ماسة لمواكبة اللهاث المحموم لوسائل الإعلام التي تغطي تطورات الحرب دقيقة بدقيقة على مدار الساعة على شاشات التلفزيون مباشرة. وقال جيمي كولينغ الباحث في معهد أبحاث السياسة العامة في لندن: هناك حاجة ماسة كي تبقى مبتهجا ومتفائلا باستمرار، أحد أكبر الأشياء التي يبحثون عنها هي أدلة الإدانة أي الدليل مثلا على وجود أسلحة كيماوية وبيولوجية أو أدلة على تعذيب جماعي ليثبت أنهم على صواب. وأبرز مثال على ذلك ما ذكرته وسائل إعلام عن اكتشاف مصنع للأسلحة الكيماوية وهي تقارير نفتها مصادر رسمية فيما بعد. ويقول محللون إن بريطانياوالولاياتالمتحدة لم تتمكنا من صياغة رسالة واضحة بما يكفي في حربهما الدعائية وإن ذلك يعود جزئيا إلى السرعة التي جرى بها إعداد الحملة على العراق. وفي الوقت نفسه تخضع الدولتان لضغط متزايد لتسويق قضيتهما لدى كل من شعبيهما والعراقيين على حد سواء. وقال روجر مورتيمور المحلل السياسي في مؤسسة موري بلندن إن المسؤولين البريطانيين والأمريكيين يتعرضون لضغط لإصدار بيانات وهم غالبا ما يفعلون ذلك دون أدلة كافية. أضف إلى ذلك أنه خلافا لما حدث في حروب أخرى مثل حرب جزر فوكلاند حيث كانت الأنباء تستغرق يومين أحيانا حتى تعلن فإن الصحفيين المرافقين للقوات التي تقودها الولاياتالمتحدة في غزوها للعراق ينقلون تقارير مباشرة من أرض المعركة.