اعتقد ان الكل يشاطرني الرأي بان الغرب وبعض الشرق المتقدم ماديا لم يتبوؤوا تلك المكانة العليا التي يحتلونها في عالم اليوم وقبعنا نحن كأمة مسلمة في ذيل القائمة بسبب تميز في نسيج ادمغة افرادهم، نعم فليس الامر أمر ذكاء ودهاء وفطنة اذ اننا نفوقهم في ذلك اضعافا، لكن الشأن كله متعلق بقيم سار عليها القوم وتخلينا عنها على حين انها من صميم ديننا، ومن تلك قيمة العمل والانتاج. اضحى عندنا الدين مقتصرا على العبادات الظاهرة، ونحينا جانبا جل ما يتعلق بالاخلاق والمعاملات والقيم!، وهي من الدين بمكان. منذ نعومة اظفارنا ونحن نسمع عن تمجيد اولئك الغربيين للعمل وتقديسهم له، حتى وللاسف الشديد القي في روعنا ان ذلك نهج ابتدعوه واضحى لهم صفة لازمة، وما كان ذلك ليكون لو اننا كنا من الفهم والوعي بأساسيات وبديهيات ديننا الذي ماوجد دين ولا شرع ولا نظام ولا قانون يحض اتباعه على العمل النافع والجد والمثابرة في تكميله، ارقى منه ولا اعظم، وخذ على سبيل المثال لا الحصر: (ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه)، من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له، الا يكفي ذلك فقط للتدليل على مكانة العمل في الاسلام وايلائه المنتجين والمبدعين اهمية خاصة. ان نظرة عجلى في واقع مؤسساتنا الحكومية ليصيب المرء بخيبة امل في انجاز موظفيها الذين اصاب جلهم ولا اقول الكل الضعف في الاداء الوظيفي، ولست معنيا هنا بتواقيع الحضور والانصراف اذ انها ليست مقياسا ابدا، وكم اضفت على بعض البلداء وغير المنتجين هالة من التميز غير جديرين بها، لكنني اعني الكم المنجز من العمل في مدة زمنية محددة والى اي مدى بلغ الاتقان في ادائه، هذا هو الاساس الذي ينبغي ان يولى من المسئولين عن المتابعة والمراقبة لا جل بل كل الاهتمام. ان موظفي المؤسسات الحكومية لم يولدوا وفي موروثهم الجيني صفة الكسل والدعة وبغض العمل، لكنهم قد يكونون اصيبوا والكلام ليس للعموم باحباط جراء بعض الانظمة الادارية العقيمة التي لاتفرق بين العامل والخامل، وقد يكون الخامل بسبب تلك الانظمة السقيمة اقرب الى التقدير واسرع في الحصول على المراتب، فاذا ما الحاجة الى التعب ما دام الامر في احسن الاحوال سيئا! ان المطلوب ان يكون هناك تمايز وتفاضل بين من يعمل ومن لايعمل، بل وبين من يبدع في مجال عمله وبين العامل التقليدي الذي يؤدي المهام بصورة روتينية!. نعم، فليس من الانصاف ابدا ان يقارن بين موظف في مؤسسة خاصة عملاقة (كأرامكو) يمنح كافة الامتيازات والعلاوات من غير ما تأخير ويعطى بدلا عن كل دقيقة ينجز فيها امرا في غير وقت العمل الاصلي وتثمن جهوده الانتاجية ماديا ومعنويا، وبين آخر في مؤسسة حكومية قد لايؤبه لعمله مهما كان رائعا بل قد تفوته الترقيات سنوات طوال على حين ان زميلا له لا أبلد منه ولا اكسل يحصل عليها سريعا من غير ما تأخير، فأين الانصاف؟ اين الدافعية لذلك المنتج لكي يزيد انتاجه وان يواصل العمل من غير ما كلل وهو محبط؟ ولئن استقام به ضميره ردحا من الزمن فسينهار لا محالة الا ان يشاء الله وسيضاف لاحقا الى قائمة الموظفين الخاملين (ولو كان من اوائل الموقعين في سجلات الحضور) فالقضيةكما اسلفت بالانجاز لا التواجد من اجل التواجد وابداء الطلة البهية للرؤساء، ثم بعد ذلك ليفعل ما يشاء!.. نحن الآن في أمس الحاجة ان اردنا التغيير إلى أن تستحدث انظمة ادارية جديدة تعطي للموظف المنتج حقه الكامل وتمايز بينه وبين من هو اقل منه انتاجا، وهذا الامر ينبغي ان يبت فيه على مستوى مجلس الوزراء أو مجلس الشورى، وان الامر يستحق ذلك لاجدال، وهو أمر ان حصل فسوف نرى الفروق في قضية الانجاز التي كنا بالامس نراها واضحة بين موظف خاص وآخر حكومي تتلاشى وسيقفان على قدم المساواة، وهو امر مطلوب خصوصا في هذا الوقت الذي بات العالم يتغير سريعا، والكل يغذ الخطى من اجل الوصول الى مكانة لائقة قبل ان يضحى في فم الآخرين لقمة سائغة، ولا عزاء اذ ذاك للنائمين!. كما اني اتمنى ان تكون هناك مواد دراسية تتطرق الى فضيلة العمل وغرس اهمية بذل غاية الجهد فيه ايا كانت صفته، وان يلقى في الروع ان الكل على ثغر فلا ينبغي التفريط بأي حال، على ان تدرس تلك المواد لطلاب المرحلة التوجيهية بالذات وطلاب الجامعات والكليات اذ هم قاب قوسين او ادنى من تسنم مهام وظيفية. ولئن كان الشيء بالشيء يذكر، فاني رأيت نماذج رائعة في (المختبر التشخيصي البيطري) التابع لمديرية الزراعة بالاحساء، من موظفين (اساتذة! عرب وموظفين وموظفين وطنيين) آلى بعضهم على نفسه ان يواصلوا العمل الى ما بعد نهايته الاصلية بساعات، من غير ان يطالهم او حتى يطالبوا بصرف تعويض مادي لهم، وهم انما يؤدون ذلك بكل حب لا ملزمين ابدا!. هذه النماذج انما اوردها وهي تحت بصري لكوني اتمنى ان تنتشر تلك الصور في دوائرنا الحكومية حتى تصبح نهجا لنا وشعارا لا يتخلف عنه إلاشاذ منبوذ، وما ذلك على الله بعزيز.