يحاصر الجوع ويحصد عشرات الأطفال يوميا في الارجنتين التي تتصدر البلدان المنتجة للحبوب في العالم وتكفي مواردها لاطعام اكثر من مئة مليون شخص بينما اصبح الفقر بعد اربع سنوات من الركود الاقتصادي يطاول 53% من السكان. ونشرت احدى الصحف اخيرا على كامل صفحتها الأولى صورة طفل هزيل يحتضر في احد مستشفيات ولاية توكومان (شمال) لتنطلق موجة من التحقيقات الصحافية في هذا الشأن. وليس الفقر ظاهرة حديثة في الارجنتين بل آفة اجتماعية تنتشر بشكل متزايد منذ عشر سنوات. واشار تقرير نشره اتحاد العمال الارجنتينيين (معارضة) هذا الاسبوع الى ان خمسين طفلا يموتون كل يوم في الارجنتين. واظهر تحقيق اخر اجرته هيئات غير حكومية بينها جمعية طب الاطفال ومركز الدراسات القانونية والاجتماعية ولجنة الصحة وحقوق الانسان في كلية الطب في بوينس ايرس ان 27 طفلا دون الخامسة من العمر يقضون يوميا بسبب انعدام التغذية. ولم تصدر اي احصاءات رسمية عن الحكومة الارجنتينية حول هذه المشكلة. ويطاول الفقر 70% من الاطفال في الارجنتين، حسبما يؤكد صندوق الاممالمتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف). كما افاد الصندوق ان 66.4 % من الاطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة اشهر و24 شهرا في ولاية تشاكو (شمال شرق) يعانون من فقر الدم، في حين يرتفع معدل الوفيات بين الاطفال بصورة يومية في سبع من الولاياتالارجنتينية ال24. وقال كارلوس كاستر رئيس المكتب الدولي لاتحاد العمال الارجنتينيين في مدريد ان "اطفالا يموتون كل يوم بسبب النقص الكبير في التغذية في الارجنتين، وليس من الضروري ان نقصد ولاية توكومان او ميسيونس (شمال شرق) للتحقق من هذا". واضاف "انهم يموتون في مستشفيات بضواحي بوينس ايرس". وأوضح كاستر ان2.5 مليون طفل "على وشك الاصابة بامراض نقص التغذية" بينما تحتل الارجنتين المرتبة الاولى في العالم بين الدول المصدرة للمواد الغذائية للفرد، متقدمة على الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا والاتحاد الاوروبي. وقد بلغ انتاج الحبوب في الارجنتين اكثر من سبعين مليون طن عام 200. ويتفشى الفقر والجوع في بلد احتل قبل قرن المرتبة السابعة في العالم من حيث حجم اجمالي الناتج الداخلي وكان يصدر سفنا مليئة بالحبوب واللحوم بينما كان المهاجرون اليه يفاخرون ببناء دولة "اوروبية" في النصف الجنوبي من القارة. واوضح اليونيسيف ان ارتفاع معدل البطالة 21.5 % والتضخم المتزايد (40% عام 2002) جعلا قسما من السكان وخصوصا الاطفال والمراهقين "دون عتبة الفقر". واكد كاستر ان مأساة الجوع والفقر التي تطاول عشرين مليون نسمة (53% من السكان البالغ عددهم 36 مليون نسمة) ليست جديدة. وانتقد تراجع حركة التصنيع والمديونية منذ عهد الدكتاتورية العسكرية (1973-83) واستمرار هذا الوضع في عهد البيروني كارلوس منعم (من الليبراليين الجدد، 1989-99). وتابع ان "المسؤولية الاولى يتحملها الارجنتينيون وكذلك الذين اغتنموا الفرصة طبقا للقاعدة الرأسمالية الاساسية، لجني مبالغ مالية طائلة في وقت ضئيل". وتوفيت طفلة عمرها تسعة اشهر هذا الاسبوع في توكومان مما يرفع الى عشرة عدد الاطفال الذين قضوا من الجوع في نوفمبر في هذه الولاية، في حين توفي 49 اخرون منذ مطلع العام في ميسيونس. واشار اليونيسيف الى ان التفاوت في الدخل بين اغنى 10% من السكان وافقر 10% منهم تضاعف منذ بداية الركود الاقتصادي في 1998. وقد اعتقد الارجنتينيون ايام نظام تعادل البيسو بالدولار الذي فرضه منعم، انهم يملكون عملة قوية كالعملة الامريكية، غير انه تحتم من اجل تغذية هذا الوهم بيع كل املاك الدولة حتى النفط الذي انتقل الى شركات خاصة، واخضاع البلاد لديون كبيرة. وانفجرت القنبلة الموقوتة لاقتصاد ينطوي على تهريب الرساميل والفساد في عهد الرئيس فرناندو دي لا روا الذي ارغم على تقديم استقالته في ديسمبر 2001 بعد حركة تمرد شعبية تعرضت لقمع عنيف اسفر عن مقتل ثلاثين شخصا.