في حوار مع داعية وعلامة بارزة في الفكر، والرأي الحر، شقَّ طريقه وسط عالم يموج بالتقلبات، لكنه ثبت على موقفه، وامتلك أدوات حواره الصادمة حيناً، والكاشفة أحياناً، وكأن حاله يقول: دائماً أسعى للحقيقة دون زيف أو مواربة، وهذا الحوار الذي قام به ملحق «آفاق الشريعة» سيكشف الكثير من الأمور التي كانت غائبة عن البعض، وسيضيف الكثير أيضاً للقارئ العادي والمثقف على السواء، وسيكشف كثيرا من التفاصيل، ولماذا؟ وما موقفه تجاه وصف أسلوبه بالقاسي والمتشدد؟ فإلى الحوار: فضيلتكم غني عن التعريف.. لكن دعنا نبدأ حوارنا معكم بتعريف مبسط عنكم يوضح إنجازاتكم وأهم المحطات في حياتكم حتى يتعرف القارئ بشكل جيد عليكم؟ - ولدت ونشأت في مدينة الرياض، التي تلقيت فيها تعليمي أيضا، وتلقيت العلم الشرعي على يد عدد من المشايخ المعروفين، وغير المعروفين، منهم من هو موجود على قيد الحياة أطال الله في أعمارهم ومنهم من فارقوها رحمهم الله ومن أبرز المشايخ الذين تلقيت العلم على أيديهم، الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبدالله الجبرين، ومن الشيوخ الذين قرأت عليهم، الشيخ علي الرئيس السابق لهيئة التمييز. كما قرأت على الشيخ صالح الفوزان - أطال الله في عمره - وقد درس معي عدد من المشايخ المعروفين، أمثال الشيخ عبد الرحمن السديس إمام الحرم المكي، وعدد آخر من الشيوخ الذين بذلوا أنفسهم في العلم، وأفتخر كثيراً بأنني قرأت على الشيخ محمد الفراج، وهو علامة مُبحر في العلوم الشرعية، وإن كان يحط من نفسه ويقلل من شأنه من جم تواضعه، أسأل الله له الشفاء وطول العمر. أي داعية في بداياته يتأثر فكرياً بشيخ أو عدد من المشايخ، فمن هم الذين تأثرت بهم في بداياتك؟ وما نوع هذا التأثير؟ - لا أخفيك سراً أنني أطلع على كل التيارات الفكرية الموجودة على الساحة حاليا، لمعرفة ما فيها من حق وما فيها من باطل، وعن تأثري بفكر معين، فأحسب نفسي أنني تأثرت بفكر الشيوخ الصالحين الذين يحض تفكيرهم على الحق والعدل والانصاف، وعندما توجه لي التيارات الفكرية المختلفة الاتهامات، فهذا دليل على أنني أسلك الطريق الصح. يوجه البعض إليكم انتقادات بأنكم تستخدمون أسلوب الشدة والقسوة في تعاملكم مع الذين تدعوهم إلى الطريق القويم .. فما رأيكم؟ - أتفق معك، فالبعض يلومونني بأنني أسلك مسلكا فيه نوع من الشدة والقسوة في المواجهة، وأنا أرى أن هذا نابع من فرض الكفاية الذي أقوم به تحملا عن الآخرين، وهو مسلك شرعي، موجود في شريعتنا الإسلامية، التي تتسم أيضا بالرحمة واللين، فاذا كان مسلك اللين مطلوبا أحياناً في النصح والإرشاد، فمسلك الشدة مطلوب هو الآخر للزجر والتأديب، وعلينا أن ننظر إلى كتاب الله، ليكشف صوراً من أسلوب الشدة، منها قوله سبحانه وتعالى «فليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين». فكثير من المؤمنين يعلمون طريق الحق، ويدركون ما هو مطلوب منهم، إلا أنهم لا يسلكون هذا الطريق، وهؤلاء لابد من التعامل معهم بطريقة فيها نوع من الشدة والقسوة، حتى يعودوا إلى رشدهم. هل توضح لنا كيف يمكن للداعية أن يستخدم أسلوب القسوة في الدعوة والتأديب؟ -أسلوب الشدة متماش تماما مع شريعتنا الإسلامية، فالله أمر سيدنا موسى - عليه وعلى نبينا محمد السلام - أن يتبع اللين والرفق مع فرعون، في قوله سبحانه وتعالى : «فقولا له قولا لينا»، لكن فرعون لم يهتد، ولم يعد إلى رشده، وظل على ما هو عليه من مكابرة وصلف، فقال له موسى :»إني لأظنك يا فرعون مثبورا» أي ملعونا وعاصيا، فهل يحق لنا أن نعتقد أن موسى خالف أمر الله، بالتأكيد لا، فموسى في الأمر الأول كان يدعو فرعون إلى الهداية بالقول اللين، في المرة الثانية، وجه انتقادا له بعد أن رفض أن يسلك طريق الهداية، والناس دائما يخطئون عندما يختلط عليهم الأمر. فالبعض يستشهد بزيارة النبي (صلى الله عليه وسلم) لليهودي الذي تعرض له بالأذى، بضرورة استخدام أسلوب اللين والرفق، ويرددون أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يطمئن عليه ويسأل عنه، وأتفق معهم على أن هذه صورة صحيحة للتسامح في الإسلام، لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه هو من أرسل من الصحابة من يقتل هذا اليهودي، وهذا يدل على أن سلوك اللين والرحمة مطلوب، وسلوك الشدة والقسوة للتأديب مطلوب أيضا. وهل الآيات القرآنية التي ورد فيها اللعن تحض على استخدام أسلوب القسوة ؟ - إذا نظرنا إلى القرآن الكريم، نجد أن فيها آيات كثيرة تتضمن اللعن لبعض الشخصيات التي رفضت سلك طريق الرشد والهداية، وهناك قصة أرددها كثيرا توضح هذا الأمر. فلو تخيلنا أن هناك مريضا يعاني مشكلات صحية في الرئة، وجاء شخص أشعل سيجارة بجانبه دون أن يدري أو يقصد، فقد تأتي أنت وتنصح هذا الشخص بأسلوب لين ومهذب بضرورة إطفاء السيجارة، حتى لا تؤثر على صحة المريض. أما لو كان الشخص أشعل السيجارة، متعمداً إيذاء للمريض، فبالتأكيد سيكون أسلوبك معه مختلفا، وربما تستخدم أسلوب القسوة معه، حتى يطفئ سيجارته، وعندما أستخدم القسوة والشدة مع البعض، فهدفي التأديب والزجر، حيث أعلم أنهم يدركون طريق الحق، الذي كانوا يسلكونه في يوم من الأيام، لكنهم ابتعدوا عنه، وسلكوا طريقا آخر. وإذا ارتضيت لنفسي أن أستخدم أسلوب الشدة والقسوة في الدعوة إلى الله، هناك غيري من المشايخ من يسلك طرقاً أخرى تتسم باللين والرفق، وهذا يعزز التنوع في الطرق التي نسلكها، ولم أقل في يوم من الأيام أنني على صواب، وغيري على خطأ، لإيماني بأن مسلك اللين والرفق مطلوب. كما أن مسلك القسوة والشدة أيضا مطلوب في التعامل مع الناس بمختلف ميولهم وثقافاتهم. حديثك الأخير يقودنا إلى سؤال آخر بشأن آرائك المتشددة التي ذكرت إنها لا تخالف الشريعة الإسلامية وإنها مطلوبة للتأديب والزجر، لكن ألا تسبب لك هذه الآراء أي مشكلات أنت في غنى عنها؟ - الحق دائماً طعمه مُر، والصراحة قد تسبب لك أو للبعض الكثير من الحرج، ومن الطبيعي أن تسبب لي آرائي الكثير من المشكلات والحرج، لكن في الوقت نفسه، أكون قد برأت ذمتي، وذكرت الحقيقة مجردة، دون تزييف أو تزيين قد يخالف الشريعة، لذلك جميع ما أذكره وأقوله أتحمل تبعاته ومسؤوليته، وجميع ما أرفض قوله، أشعر بأنني لا أستطيع أن أتحمل تبعاته. هل تعتقد أن الدعاة الحاليين يملكون هذا التوازن في الأساليب المختلفة بمعنى أنهم يوازنون بين أسلوب الرفق واللين، وبين أسلوب الشدة والقسوة؟ - أعتقد أن دعاتنا الحاليين يعملون على هذه الموازنة، ويحرصون عليها، من باب تنويع أساليب الدعوة، ولا يمنع هذا التأكيد على أن الخطأ موجود، والأخطاء قد تقع منهم دون قصد، وإذا نظرنا إلى سجلات الدعاة والشيوخ، يتأكد لنا أنهم أصحاب توازن في تفكيرهم وأساليبهم الدعوية، وأسمح لي أن أطرح مثالاً على ذلك، ببعض المشايخ الذين قد يواجهون اتهامات بأنهم يداهنون الدولة، أو أنهم محسوبون عليها عبر فتوى ما أو رأي يصب في صالح تلك الدولة، هؤلاء إذا نظرنا إلى تاريخهم الدعوي، نجدهم على غير ما ظننا فيهم، حيث سنجد لهم مواقف ومحطات ناصعة البياض، تؤكد توازنهم ومصداقيتهم. وما الآلية التي نحكم بها على الداعية ويكون حكمنا صحيحاً؟ -كما ذكرت لك سابقا، من الخطأ الحكم على داعية ما من خلال محاضرة عابرة، أو حديث سريع، إذ يجب أن ننظر إلى تاريخه الدعوي، ومنهجه الذي يتبعه في الدعوة إلى الله، حتى يكون حكمنا صحيحاً، ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن المحاضرات العابرة، قصد منها أمر محدد، وبالتالي لا تكشف عن كامل منهج الداعية، وأعطيك مثالا على ذلك داعية أراد الحديث في بلد ما، لا يهتم سكانها بأمر الحجاب، فمن الطبيعي أن يركز محاضرته أو دعوته على أهمية الحجاب، وضرورة تغطية الوجه، وليس معنى ذلك التقليل من أهمية ستر بقية أجزاء الجسم، وليس معناه أيضا أن الداعية لا يرى ضرورة لتغطية الجسم، ومن هنا علينا أن يكون حكمنا على الداعية، بعد النظرة العامة لمنهجه وتاريخه الدعوي الكامل. هل يرى فضيلتكم ضرورة في أن يواكب الداعية مستجدات العصر، وأن يكون له موقع على شبكة الانترنت، وعلى مواقع التوصل الاجتماعي؟ وهل لكم موقع على شبكة الانترنت؟ - كان لي موقع على الشبكة العنكبوتية، لكنه أغلق بعد تدشينه بأقل من 24 ساعة، وكان أسرع موقع يتم حجبه بعد افتتاحه، ما يؤهله للدخول في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، ولي حالياً صفحة في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، ولي أيضا مشاركات في الإعلام، وللمعلومية، أنا لست من هواة التعامل مع الأجهزة الحديثة، مثل الآيباد، وبالنسبة للشق الأول من سؤالك، أرى أنه لزاماً على الداعية أن يواكب وسائل التقنية الحديثة، ويتدرب عليها، ويتعامل معها بشكل جيد، حتى يمكنه التواصل مع الناس، الذين يستخدمون هذه التقنية بكثافة، وأي داعية غير ملم بهذه التقنية، عليه أن يواكب العصر ويدخل هذا المعترك، ويعرف أسراره وخباياه، ويمارس عمله كداعية من خلاله.