دارة العرب في (حي الورود) فيللا الشيخ حمد الجاسر بالشارع المسمى باسمه بمدينة الرياض، حيث كان يسكن -يرحمه الله- ومازال حيا في منزله هذا بما ترك من آثار وذكريات وملامح تحكي شخصيته وقصة حياته الحافلة بالكفاح في مواجهة شظف العيش وقساوة الحياة. يقول:حفر قبري أربع مرات.. تحسبا من أهلي لموتي.. ولم استطع ممارسة الزراعة كإخواني- وهكذا اتجه هذا الشاب الضعيف البنية- الى ممارسة البحث عن التعلم والمعرفة - فوجدوه يحمل في قمة رأسه عقلا ذكيا متوقدا وفكرا قويا فأبدع في شتى مجالات العلوم والفن والثقافة والتاريخ والجغرافيا واللغة والاداب والقضاء ومضامين الشريعة وأحكامها. وكنت يوم كان فارس هذه الدار ورجلها الكبير يضيء هذه الدار بحيوية وبنور فكره المتوقد ونفحاته الوضاءة وروحه المرحة أزوره ولا أزال على هذه العادة الطيبة وآخر زيارة كانت يوم الخميس الماضي لأحضر (خميسيته) التي كانت قائمة بموعدها في حياته..ومازالت مستمرة بعد رحيله بنفس الوجوه الكريمة،والشخصيات الأدبية والعلمية من تلاميذه واصدقائه ومحبي أفضاله وعلمه وفكره من الصحفيين المحليين والأجانب وضيوف الرياض وزوارها. بين يدي مجلة (اليمامة) بعددها الاخير وكتب تحتها اسسها حمد الجاسر عام 1972ه ومجلة (العرب) اسسها سنة 1386ه/1966م. (والعرب) تعنى بتاريخ العرب وآدابهم وتراثهم الفكري ولغتهم.. ومن شروطها في نشر الابحاث ان تكون ضمن اهتمامات المجلة وان يتأكد الكاتب من سلامة اللغة وحسن الترقيم والتوثيق، وضبط الألفاظ غير المألوفة بالشكل الصحيح، على أن تتسم مواضيع النقد بالأسلوب العلمي الخالي من الاساءة الى شخصية المؤلف أو الباحث.. صاحب الامتياز المسؤول. معن بن حمد الجاسر ورئيس التحرير: أ.د.أحمد بن محمد الضبيب واعضاء هيئة التحرير يتكونون من: أ.د. عبدالعزيز بن ناصر المانع، أ.د.عبدالعزيز بن صالح الهلابي، أ.د.عبدالله بن صالح العثيمين وكان رحمه الله يقوم وحده بكل هذه المهام وتصحيح (البروفات). لقد سألت الحاضرين عن الإصدارات الجديدة.. فأتحفوني مشكورين بالكتاب الجديد (حمد الجاسر علامة الجزيرة العربية) الذي أصدرته وزارة التعليم العالي الملحقية الثقافية السعودية بدمشق، ويمثل السجل العلمي لندوة حمد الجاسر، وأحد رواد النهضة العلمية في المملكة التي أقيمت في دمشق 1421/2000م ومن المتحدثين في هذه الندوة الدكتور ناصر الدين الأسد ومما قاله:(فإن المرء ليحار حين يريد أن يتحدث عن أستاذنا العلامة الشيخ حمد الجاسر او يكتب عنه، من أي جانب من جوانب عمله يتناوله، فهو بقية طبقة من علماء تراثنا الموسوعيين، لا تكاد تسأله عن مسألة من هذا التراث الا وجدت عنده الجواب، مع تواضع جم، حتى إنه ليوحي اليك بأنه لا يتحدث بشيء أنت لا تعرفه، أو بأن حديثه إنما هو من بعض علمك) أجل لقد عرف الشيخ حمد بتواضعه الجم رغم مكانته الاجتماعية والعلمية، وببساطته المتناهية سأله الاستاذ محمد الوعيل في حوار معه الذي نشر في الجزء الاول (من شهود هذا العصر). @أين يقف حمد الجاسر بين كل الألقاب؟ معالي سعادة - الشيخ- علامة الجزيرة؟ * يقول الشيخ ان كلمة (الشيخ) هي اقرب الى نفسي، اما بقية الألقاب فهي تركية الاصل. @ سألته ولكن ماذا عن علامة الجزيرة؟ * يقول ابو محمد: هذا اللقب من اكره الالقاب الى نفسي لأنه يوحي في نفسي، بأنني بين أمة جاهلة وانا أعرف نفسي.. لقد بلغت مرحلة لا احتاج فيها الى جاه او مال، وسأله ايضا: @ اسم ابو محمد مطروح في الساحة منذ عدة سنوات وبرز كعاشق للحرف منذ طفولته.. هذا النبوغ الا يؤهله لمنصب في الدولة؟ * يقول الشيخ حمد الجاسر: نعم عرضت علي أعمال كثيرة منها مستشار للملك سعود - يرحمه الله- ووزير في مجلس الوزراء، كما عرض علي ان اكون وزيرا لاحدى الوزارات. @ لكن ما رأيكم لو سألنا الشيخ حمد عن السر وراء رفضه تقلد هذه المناصب؟ * اعرف أنني اذا توليت مثل هذا العمل فلن اقوم به كما ينبغي بالشكل الذي يرضي ضميري ويرحم الله امرأ عرف قدر نفسه. وهكذا كان الشيخ حمد الجاسر -يرحمه الله- رجلا متوضعا تواضع العلماء وسيظل الناس والتاريخ والعلماء يطلقون عليك (علامة الجزيرة العربية) ويؤرخون لك بهذه المكانة العلمية والمعرفية فقد نلتها بجدارة واستحقاق في حياتك وكفاحك وستبقى ماثلة حية ذات عطاء في مماتك ورحيلك كما كانت علامة شامخة بكبرياء العلماء في حياتك الزاخرة بالعطاء العلمي. كتبت خاطرة في صحيفة (الشرق الأوسط) بالعدد 4901 تاريخ 26/10/1412ه تحت عنوان (كرموا علامتنا، الشيخ حمد الجاسر في حياته). وهذه فقرة من تلك الخاطرة:..وكانت ولا تزال حياة الشيخ سلسلة من الكفاح اليومي في عمله الدؤوب المتواصل في مجال تخصصه منذ نعومة اظفاره حتى يومنا هذا.. ولا تجد في (سوانح ذكرياته) التي يرويها ويكتبها للمجلة العربية تاريخه الشخصي وحياته الخاصة، وانما تاريخ الجزيرة العربية وعاداتها وتقاليدها في قديم الزمان وحاضره او تتحدث عن شعبها وأصالته والظروف التي عاشها ومرت بها حياته وما حققه من منجزات في شتى مجالات الحياة رغم قساوة الصحراء وشظف العيش وقلة الموارد. لقد سألت الحاضرين عن هذه (السوانح الجاسرية) متى يضمها كتاب؟ فقالوا ستصدر قريبا - كاملة غير منقوصة- وسألتهم عن (حمد الجاسر في عيون الآخرين) وهو مجموعة مقالات ودراسات وذكريات كتبها اصدقاء الشيخ وعارفو مكانته بعد وفاته.. ضمها كتاب ضخم فقالوا وهو في طريقه الى محبيه قريبا. كان معي في هذه الزيارة الكريمة الاخ الاستاذ محمد القشعمي وهو يعرف مداخل ومخارج الرياض وثمة شخصيات أخرى علينا زيارتها.. ذهبنا الى مكتب الاستاذ الدكتور محمد الهوشان رئيس اللجنة الوطنية للمحامين السعوديين للدفاع عن المعتقلين السعوديين بعد احداث 11 سبتمبر.. فلم نجده في مكتبه فتركنا له رسالة تحية وتشجيع وتوجهنا الى منزل الصديق الكريم البراهيم عبدالله التركي.. فوجدناه ولله الحمد بصحة جيدة وبانتظارنا واتحفنا بما عنده من ادبيات وبقصيدة وطنية عنوانها:(أيا شعب الإباء كفاك فخرا) والقصيدة طويلة: نختار منها هذين البيتين وهي عن (فلسطين): أيا شعب الإباء كفاك فخرا نساؤك في الفدا يزددن فخرا أيا شعب الكفاح كفاك قدرا دروسك في الكفاح تخط سفرا وفي طريقنا الى منزل الاستاذ حمد بن ابراهيم عبدالله الحقيل رئيس محكمة الخرج سابقا فاذا هو شقيق عبدالله الحقيل زميل العمل في مصلحة العمل فقد أنست بمعرفته وبنشاطه في تأليف الكتب الادبية والتراثية فقد اهدانا كتابه:(الوحشيات والاوابد لشعراء في الجاهلية والاسلام) وكتابه الثاني:(رصيد القلم شذرات ونوادر) (والصيد الثمين) فقد وجدنا الشيخ عبدالكريم الجهيمان في زيارته فكان العناق والابتهالات الحارة والدعوات الصالحات.. وتعرفنا ايضا على عبدالكريم بن حمد بن ابراهيم الحقل وزودنا بثلاثة كتب من مؤلفاته.. رحم الله علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر وستبقى (دارة العرب) متحفا لذكراه وتراثه.