من المقولات التي تسربت الى أدبيات السياسة ما نسمعه من أن العالم أصبح قرية صغيرة تنصهر فيها كل شعوب الأرض لتتشابك علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية. وهي مقولة امتدت الى نطاق أوسع حتى أصبحت من المسلمات. وفي تصوري أن هذه المقولة تأتي في السياق العام لتوجهات ما يسمى بالعولمة التي تهدف في النهاية الى (أمركة) العالم، ليدور في فلك القطب الواحد، بعد طمس هوية شعوبه، وتغييب ثقافات هذه الشعوب. وحقيقة الأمر أن العالم ليس قرية واحدة، فمازالت تعتريه الصراعات والمحن والحروب، ومازالت شعوبه تحافظ على كياناتها وهوياتها، وترفض أن تذوب شخصياتها في سياسة أحادية التوجه. واذا كانت بعض دول العالم الثالث قد التقطت طعم العولمة بسبب ضعف كياناتها، دون أن يكون لها دور فاعل في توجهات وأهداف وغايات العولمة، فليست الدول العربية بهذا الضعف وان حاول الآخرون ترويج هذا المعتقد الباطل. فهي قادرة على رفض العولمة بصيغتها المطروحة من وجهة النظر الأمريكية. واذا كان لابد من توجه عالمي يقود البشرية الى بر الأمان، فإن (الاسلام هو البديل) كما يقول مراد هوفمان المفكر الألماني المسلم، وكما تقول شواهد الحال حين استعراض شواهد التاريخ. فالعالم ليس قرية واحدة، وإن كانت ثورة الاتصالات والمواصلات، قد قربت المسافات، ونقلت في التو واللحظة ما يحدث في اقصى العالم الى أدناه. وما يحدث في أدنى العالم الى أقصاه، دون أن تلغي سياج ثقافات الشعوب، وتطلعاتها وطموحاتها وآمالها في المستقبل، ورغبتها في أن يكون لها دورها الفاعل في أي توجه عالمي يهدف الى انقاذ العالم من ويلاته وكوارثه، وهي في الغالب من صنع الكبار وعلى الدول النامية أن تدفع فواتير تلك الويلات والكوارث التي يصنعها الكبار، نتيجة الاصرار على مفهوم التابع والمتبوع، وهي تبعية تشمل ليس الميدان العسكري فقط، بل قبل ذلك وبعده السياسة والاقتصاد والثقافة. وإذا كانت العولمة تعني (الأمركة) فإن التطبيع يعني (الصهينة) دون جدال.. فهما وجهان لعملة واحدة.