تعدُ إشكالية الأسئلة الفكرية تحدياً صارخاً بين عقلين من مدرستين مختلفتين أحدهما يُحكّم النص ويُقدمه والآخر يبحث عما يوافق العقل ويرفض ما سواه, وهذه الطرقُ أُشبعت جدلاً وبحثاً إلا أننا بحاجة إلى إدراك مواضع عتبات جيل الشباب الذي يشعر بالإقصاء الفكري من مدرسة «السلف» المتأخرة ورفضها بعض محاولات التفكير المتنوعة داخل الأروقة الدينية, هذا الشعور بعدم الاحتضان أورد تساؤلات كثيرة بعضها اختلق أجوبة عقلية لتبرير صناعة فكرٍ مستقل شعوراً بالاستبعاد واستحواذ المدرسة السلفية المتأخرة على ميادين العقل وإخضاعها للنقل وتهميش الآخر, وهذا الذي عرّفهُ العالم الألماني فيبر بأنه أحد أشكال الانغلاق الاجتماعي. الحديثُ هنا ليس عن مصادر المدرسة وإنما عن المنهجية التي يحاول بعض أفرادها التخلص من تبعاتها بطريقة أظنها خاطئة تتمحور حول نقد أتباعها. إنّ جيل الشباب يعيشُ صراعاً فكرياً يدركهُ أهل الاختصاص أوقعهم في مخاطر كثيرة لذلك يقول العالم سيغمان في كتابه «فهم شبكات الإرهاب» أن هناك جماعات حولت نفور الشباب المسلم إلى إرهابيين, هذا النفور يجب أن يُعالج باحتواء فكري يخاطب عقول الشباب عبر الإعلام والمسجد والمؤسسة التعليمية والرياضية دون إشعارهم بإملاءات تقودهم جبراً لطريق محدد المعالم والبُعد عن الإشباع العاطفي الذي بزوال سببه يزول أثره, ولقد ألمح البغدادي في «الفرق بين الفرق» اتهام صغار السن من جيل الشباب للعلماء وعدم الثقة بعلمهم , وهنا يتعين على المدرسة الدينية تحديداً خلع عباءة المشيخة والنزول لمواطن الفكر الشبابي وتلمس احتياجاته والخروج من الجمود الفكري والعمل التقليدي إلى التجديد والتغيير, فالعقل عندما يرفضهُ القائم على النقل سيحاول هزيمته وتسجيل انتصار عليه دون ضابط له مما سيسبب انعكاسات سلبية على المجتمعات المسلمة بإيجاد فوضى فكرية كان من السهل احتواء منطلقاتها بإعطاء الشباب مساحة كبيرة للبحث عن الأجوبة دون إغلاق الأبواب أمامهم. إن انعدام العمل على ذلك سيورث صراعاً يوهم بانتصار العقل على النقل ونشوء فكر يعادي كل مدرسة دينية وغيرها ولربما خلق تياراً مستقلاً له قوانينه وأتباعه وهنا مكمن الخطر الذي سيدفع ثمنه المجتمع .