التحرش سلوك عدواني شيطاني يقع فيه من لا يشعر بالآخرين ولا يحس بهم ولا يستشعر المسؤولية الأخلاقية ولا الشرعية، فإن الأخلاق الحميدة والآداب الفاضلة تمنع الإنسان السوي من ممارسة هذا السلوك المشين، وترتقي به من مشابهة وضيعي الأخلاق، كما أن الشريعة الإسلامية تحرمه لما فيه من اعتداء وتجاوز وتسهيل لارتكاب ما حرم الله، ومن هذا المنطلق قام ملحق «آفاق الشريعة» بالنزول إلى الميدان وعمل هذا الاستطلاع مع الشباب، بالإضافة إلى الشرعيين حول هذا الموضوع. يقول الشيخ الدكتور عبدالواحد المزروع عميد كلية التربية بجامعة الدمام: التحرش سلوك يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، وفيه إساءة بالغة للفاعل ذاته وإضرار بمن مورس عليه. ناهيك عن الأضرار النفسية التي تلحق بالممارس لهذا السلوك المشين واستمراره كعادة سيئة تجره للرذائل والانحطاط، وتدفعه للسوء، ولا يكتفي بفعله بل يزداد منه، وهو شبيه بسلوك مدمن المخدر، لا يجد راحة عند حد معين، إلا طلب أعلى منها ليتلذذ، وكذلك ما يقع على من استعمل معه التحرش من آثار إنسانية سلبية قد تستمر معه فترة طويلة. وأذكر عدة حالات تحدثت عن كراهية الزواج بسبب جريمة تحرش وقعت لها في يوم من الأيام. فلينظر المرتكب لهذا السلوك المشين أي جرم يقع فيه وأي أضرار يخلفها، وأي إساءات يسببها، ناهيك عما يصيبه هو وما ينتظره من ربه من عقوبة، سواء في الدنيا بالانتقام منه أو من بعض قرابته، أو عقوبة أخروية. بالعقاب والعذاب. وليتذكر المرتكب لهذا السلوك البهيمي المشين أنه يترتب على فعله حقان حق لله تعالى تسقطه التوبة الصادقة، وحق للآدمي المعتدى عليه، وسيأخذ من حسناته يوم القيامة. فإن حقوق الخلق مبنية على المشاحة. فالأمر خطير وشر مستطير، والعاقل ينأى بنفسه ويسلم على عرضه ودينه. وما نراه اليوم من تصرفات حمقاء خرقاء يرتكبها بعض فاقدي المروءة ما هو إلا انعكاس ظاهر لانتكاس الفطرة السوية، وضعف الوازع الإيماني، وقلة حياء، وعدم شعور بإحساس الآخرين، وضعف مراقبة الله تعالى. ولعل من أكبر أسباب بروز هذه الظاهرة ما تبثه قنوات الإعلام الفضائية والشبكات العنكبوتية من مشاهد فاضحة وتسهيل للجريمة وتزيين للفساد والمجون. ومحاولة إقناع الشباب والفتيات بالحرية التامة بحيث يتصرف كيفما يهوى دون رادع من دين أو عرف أو خلق. وعدم العناية وأخذ أي اعتبار للآخرين. ولعلاج هذه التصرفات المشينة ولا أقول إنها ظاهرة بحمد الله بل ما زالت سلوكاً فردياً لأفراد شاذين، للعلاج لا بد من عناية المحاضن التربوية في المدارس والجامعات بالنشء عموماً وتوجيههم الوجهة السليمة وتحذيرهم من مغبة هذه الأفعال، وتذكيرهم بالصدمة التي تصيب المتحرش به وهل يرضى ذلك لمن يحب. وعلى مديري المدارس والمشرفين التربويين مسؤولية كبيرة في هذا الصدد. ويرى الشاب محمد السبيعي طالب مبتعث بالخارج أن الفتاة عندما تذهب الى أماكن يتواجد فيها الشباب، سواءً مجمعات تجارية أو متنزه عام بكامل زينتها، وبهيئة يُفترض أن لا يراها فيها سوى محارمها، قال: أول ما قد يخطر في ذهني هو قلة الوازع الديني لدى تلك الفتاة، وضعف إيمانها، بالإضافة إلى قلة رقابة أهلها اللازمة عليها في كل تصرفاتها، وبهذا الفعل هي معرضة نفسها للشباب، ولا يكاد يخلو مجتمع الا وتجد فيه ذئابا بشرية. وغالب الشباب عند رؤيتهم لفتاة متبرجة وبكامل زينتها –للأسف- قد يضعف إيمانهم ويقعون في النظر الحرام، وينسون أن الله يراهم، وأن لديهم أمهات وأخوات وزوجات ومحارم لا يرضى عليهم أي تحرشات. ويذكر عبدالعزيز الجريفاني طالب مبتعث بالخارج: حينما تُذكر كلمة «تحرُّش» فأول ما يتبادر إلى الأذهان الحُكم الشرعي وأنه لا شك «مُحرّم»، ومن أسبابه التبرج الذي يُنافي عادتنا وتقاليدنا في المجتمع السعودي، وعلى المرأة أن ترتدي العباءة المتعارف عليها، وليس تلك المزخرفة أو الضيقة أو عباءة الكتف التي تفصّل الجسم. واستدل عبدالعزيز بقول الله -سبحانه وتعالى-: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)، وأكمل: خروج المرأة بكامل زينتها مخالف لشرع الله، ولتعاليم ديننا الحنيف ولم يأتِ أمر الله لنبينا الكريم -محمد صلى الله عليه وسلم- عبثاً بل لحكمة عظيمة فالتستر والحشمة عند الفتاة يقيها من هجمات الذئاب البشرية، ويحفظها ويصونها من التحرش، وأنا شاب عادي لستُ ملتزما تماماً، ولكن إن رأيتُ مثل هذه التصرفات، فسأقوم بابلاغ الجهات المعنية مباشرة، كالهيئة أو الشرطة، ولن أتوانى في نصح الشباب. ويؤكد نايف العتيبي أنه ينبغي على الأهل وولي أمر الفتاة مراقبة ابنتهم، ماذا ترتدي في ذهابها للأسواق؟ ومعرفة صديقاتها؟ وعلى الفتيات الابتعاد عن لبس ما يُظهر زينتهن أمام الشباب. ويوصي الشباب بعدم الذهاب للأسواق والمجمعات إلا لضروة، وأنه في حال رؤيته لشباب يتحرشون في فتيات سيناصحهم ويمنعهم من ذلك لأنه لا يرضى ذلك على أهله. ويرجو حاتم القحطاني طالب جامعي أن يكثر رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الأماكن، لتجنب حدوث مثل هذه الأحداث، ويقول: ليس من الرجولة أن يتحرش الشاب بفتاة هي أخت له في الاسلام، وأما عن الفتيات اللاتي يخرجن للمجمعات والأسواق وأماكن تواجد الرجال بزينتهن، ففعلهن أصبح وكأنه مرض نفسي، فلا صديقاتها ولا الشباب بحاجة إلى معرفة أنها الأجمل، بالعكس؛ هذا نقص ومرض يجب أن تُعالج منه صاحبة الفعل، وأتعجب كثيراً من أهالي الفتيات، فأين رقابتهم على بناتهم؟ وكأنها معدومة أمام ما نرى نحن الشباب، فيجب أن تُشدّد رقابتهم. وأردف حاتم: أنه بمجرد أن يرى فتاة محتشمة، يبتعد عنها مباشرة، ويستحي حتى من النظر اليها، ويقول: على البنات الابتعاد عن التبرج والسفور لأنه محرم، واتمنى من الشباب الابتعاد عن أماكن الشبهات والفتن، واخيراً؛ أرجو أن يكثر رجال الهيئة في كل مكان لحفظ بناتنا وشبابنا بعد الله من كل سوء
ويختصر هياف القحطاني حديثه بقوله: «التحرش» حرام شرعاً، وخروج الفتاة الى الشارع بزينتها كذلك، ومعاكسة الشباب لهن غير جائزة، وقد واجهتُ العديد من حوادث التحرش وقمت بمناصحة الشباب ولكن لا أحد يستجيب، لذا أرجو تواجد رجال الهيئة بكثرة في الأماكن العامة، لتقوم بذلك الدور فالمجتمع يستجيب للهيئة وللمشايخ أكثر من الشاب العادي. ويوضح خالد الرويلي طالب في المرحلة الثانوية أن الشخص الذي يقوم بالتحرش دليل على ضعف إيمانه وتربيته غير السوية، والفتيات اللاتي يتجاوبن مع الشخص المتحرش كذلك، والفعل الصحيح للفتاة عند مضايقتها أن تقوم بإبلاغ الهيئة والجهات المعنية. وأشار خالد إلى موضوع السائق الخاص فقال: السائق الخاص قد يكون هو أحد العوامل الرئيسية في المساعدة على ضياع الفتاة، وانحرافها، فمتى طلبت الفتاة الذهاب الى أي مكان ذهبت معه، وقد يستغل الشباب وجود الفتاة لوحدها مع سائق فقط، فيقومون بمضايقتها، فالسائق الأجنبي ليس بحارس شخصي وليس بمحرم. وتابع الرويلي: على الفتاة أن لا تخرج من بيتها الا بمحرم، وعلى الشاب أن لا يخرج من منزله إلا بعد دراية ولي امره، بمكان ذهابه، ووقت عودته، ومن يُرافق، وأتمنى أن تُقام الملتقيات الدينية التوعوية الثقافية التي تشغل اوقات فراغ الشباب بما ينفع دينهم ودنياهم، وعدم ضياع أوقاتهم في الملاهي الدنيوية والفتن والشهوات، واختتم خالد حديثه بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم (اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك).