يكتنف الغموض العديد من القضايا والمسائل الهامة المرتبطة بتاريخ المنطقة الشرقية عبر العصور والحقب التاريخية المختلفة، غير انه من المؤكد وجود دلالات وبراهين واضحة تؤكد على وجود مناطق مبكرة للاستيطان البشري في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وتشير الحفريات والتنقيبات الاثرية التي قامت بها وكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف في عدة مواسم وشملت مواقع تاريخية هامة مثل "يبرين" و"ثاج" و"الدوسرية" و"تاروت"، الى وجود صلات وعلاقات مختلفة كانت تربط هذه المنطقة بالحضارات المجاورة خصوصا حضارة بلاد ما بين النهرين، حيث اكتشف في السنوات الاخيرة في مناطق واسعة في المنطقة الشرقية نوع من الفخار ينتهي الى حضارة مهمة في بلاد ما بين النهرين هي حضارة "العبيد" لقد استطاع العبيديون بفضل التقدم الذي احرزوه في تربية الحيوانات والزراعة وما بلغوه من مهارة في صنع الاواني الفخارية والاعمال المعدنية ان يحولوا بلاد ما بين النهرين الى نواة مركز تجاري سرعان ما اصبح مهد الحضارة الاولى. ان دراسة الفنون التقليدية المحلية لن تكون دراسة جادة بمعزل عن المعطيات التاريخية التي لها اكبر الاثر في مسيرة وتطور الفنون والصناعات الحرفية عبر المراحل التاريخية المختلفة، حيث ان ازدهار تلك الفنون كان مرتبطا بشكل وثيق بحاجات ومتطلبات المجتمع التي تتنامى وتزدهر في ظل الاوضاع السياسية والامنية المستقرة والتي تدفع بالفرد والجماعات في السعي لتأمين حاجاتها ومتطلباتها الاجتماعية عن طريق الحرفيين والصناع الذين يحاولون تلبية الحاجة الاجتماعية بما يحملونه من طاقات ابداعيه وابتكارية. ازدهار الحياة الاجتماعية شهدت الفترة التي تلت سيطرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه على المنطقة الشرقية "الاحساء والقطيف" في عام 1331ه، ازدهار الحياة الاجتماعية في كافة مناحيها وامتداد رقعة المدن والتجمعات السكنية حيث بدا ذلك واضحا من خلال عمليات الامتداد العمراني خارج أسوار المدن، وانعكست هذه الاوضاع الأمنية المستقرة بشكل كبير على تطور ونمو الفنون والحرف التقليدية المحلية وبرز العديد من الحرفين والصناع الذين اعطوا كل ما يملكونه من طاقات وابتكارات وابداعات وسخروها في خدمة المجتمع. الا ان حركة التطور الصناعي والتكنولوجي التي بدأت بواكيرها مع تدفق النفط والتحول الكبير الذي طرأ على البيئة التقليدية الذي القى بظلاله على حركة الفنون والحرف التقليدية التي فقدت معه اهم مقومات الاستمرارية والتطور بسبب فقدانها لوظيفتها ولدورها الاجتماعي الكبير الذي كانت تؤديه، لمنافسة المنتجات الصناعية الحديثة وهجرة معظم الحرفيين للعمل في الوظائف والشركات المختلفة. عقود من النسيان مرت عقود طويلة من النسيان والاهمال لتلك الفنون والحرف التقليدية فقدنا معها الكثير من الاصالة والخبرة العملية التي كانت تميز جيل الآباء والأجداد، ومازلنا حتى يومنا هذا غير واعين للخطر الذي يتهدد هذه الحرف التي هي جانب ورافد كبير من ثقافتنا وتاريخنا المجيد، ومازلنا نجهل الطريقة او المنهج الذي يجب ان نسير عليه في تبني مشروع وطني متكامل يعيد لنا صياغة شاملة ومنهجية لهذا الارث الثقافي العظيم. من خلال هذه الدراسة نحاول تسليط الضوء على جانب مهم وحيوي من جوانب الفنون التقليدية المحلية الذي يتعلق بحرفة النجارة وصناعة الابواب والشبابيك الخشبية التقليدية وزخارفها ونقوشها التي هي بحق سجل حافل من العطاء والتميز والجمال اصطبغت به الحياة التقليدية في الماضي وعكست جهدا انسانيا رفيع المستوى، صاغته لنا سواعد ابائنا واجدادنا السمراء بابسط الأمكانات. ونحاول تتبع الانماط والاشكال الزخرفية التي تصدرتها الابواب التقليدية في المنطقة الشرقية وطرق عملها ودلالاتها وغيرها من المواضيع المرتبطة بهذه الحرفة.. وللحديث بقية.