يعد كتاب (فضاءات ) للشاعر والكاتب محمد الجلواح، الكتاب الثاني له بعد «مسارات» الذي أصدره المؤلف عام: 1414ه، 1993 م. الكتاب ،يتضمن مقالات صحفية متنوعة، في الشعر والأدب، والسِيرة والتجارب، والذكريات، والمتنوعات المعرفية، والمواقف الساخرة والطريفة، والموضوعات العاطفية والاجتماعية والوطنية وغيرها. ولو ذهبنا لأصول المقال الصحفي لأدركنا عمق رؤية الكاتب ولمن يعرف المقال الصحفي وأهدافه ثم يتطرق الى موضوعات الكتاب يستطيع أن يقارن بين شروط المقال الصحفية وما طرحه الجلواح في كتابه ( فضاءات ). ولعل هذا الكتاب الذي بدأه بمقالة تعرض فيها لمفهوم كلمة الأحساء كما عرض لموضوعات شتى، ومؤلفات كُتاب عديدين كتبوا عن الأحساء فجمعهم في هذه المقالة وليس هذا تحيزا منه فخيركم خيركم لأهله وهو بهذا قد سار على هذا المنوال ليؤكد هذه المقالة عن أهله في الأحساء وعن نشأته التي شهدت ميعة الصبا وخلجات الرؤية، وتحليل الظاهرة المحيطة بها. ولا يكتف الجلواح بسرد تفاصيل الماضي بل نراه يعرج بنا عبر فضاءاته العالمية الى العالم كله بماضيه وحاضره بشخصياته وشعرائه ورجاله وعظمائه فيحدثنا تارة عن التاريخ ويمزج ذلك بالجغرافيا والسياسة والاقتصاد والعلوم ثم يعرض لنا بأسلوب سامق شاعري، وحالم ومتأنق ومفيد في كل ما يخدم الموضوع من كل الاتجاهات فكأنك أمام موسوعة معرفية وليست مقالات صحفية متنوعة، بل هي فضاءات تعبر عن روح شعرية متدفقة وعن معرفة موسوعية، أي انه يشرح ويحلل الظاهرة ثم يعرضها علينا بأسلوب شيق وبعدها يعرض لأفكاره ورؤاه وأحلامه فإذا انتقد ينتقد للإصلاح ويجول في عوالم فريدة تربوية واقتصادية وثقافية وفكرية شاملة.. فالكاتب الجلواح يكتب بموضوعية، لا يتكلف ولا يتحيز إلا للحق، لا يكذب على القارئ لذا استحق ونال ثقته الأكيدة التامة بكل ما يزود به قلمه. وفي معرض موضوعاته .. يأخذنا الى"مضادات غير حيوية" والى "كلام في الشعر" والى "الحكم بالإعدام وشاعر الخابور" و"اسكتلندي الأحساء "، "صباح الرياض" وكأنه بهذه العناوين الصادمة للقارئ والجديدة على مخيلته كمن يبتكر لفن المقال وللموضوع الصحفي أبعاداً أكثر تشويقاً وإثارة ليظل القارئ متلهفا، فمن هو هذا الأسكتلندى الأحسائي ومن هو شاعر الخابور .... إلخ ؟! . إن هذه التخالفية قد أكسبته بعداً معرفياً وأكسبت القارئ مزيداً من الترقب والتحفز وكأنه يأخذه الى منعطفات ليعطيه مضادات فكرية وثقافية حقيقية تفيده وتعينه وتكسبه معلومة ومعرفة وسياحة فكرية في أفق فضاءاته الأكثر إشراقا وألمعية. هذا وقد تحدث الجلواح في الكتاب عن موضوعات شتى واختار من كنوز التراث ومن أصالة الماضي وعبق الحاضر ليؤكد أننا أمام صياد ماهر يلتقط ويحلل ويناقش الفكرة ويدلل عليها وهو بأسلوبه الذي مزج الشعر بالنثر والموسيقى . إننا نؤكد في النهاية الى أن الجلواح في كتابه ( فضاءات ) قد أضاف لفن المقال الصحفي وزاد عليه من قريحته الشاعرة أبعاداً جمالية أضافت لفن المقال وأصوله التي عرضنا لها منذ البداية.