في خطابه عن الشرق الاوسط حدد الرئيس بوش سياسة الولاياتالمتحدة بعبارات واضحة وبسيطة. أن يقوم الفلسطينيون بإصلاح أنفسهم. وفي الوقت الذي يقومون فيه بهذا الاصلاح يواصل الاسرائيليون تشديد قبضة يدهم لحماية أنفسهم بالطريقة التي يريدون. وحتى يكمل الفلسطينيون عملية الاصلاح. تبقى جميع القضايا السياسية الشائكة كترسيم الحدود والقدس واللاجئين في اخر القائمة. اذا نفذوا عملية الاصلاح سيأتي الحل النهائي ولكن بعد ثلاث سنوات. اي من هذه الطروحات لاتبدو ملزمة في رأي الذين توصلوا الى قناعة بأن حلول المزايدات قد عفى عليها الزمن. ويريدون قيادة امريكية وعالمية قادرة على فرض ما تقول مع تقديم خارطة طريق سياسي واضحة لاتباعها. وتصور واقعي لما يمكن ان يصير اليه الفلسطينيون في حالة غياب تلك القيادة الخارطة. بعض الأسئلة التي ظلت معلقة بلا اجابة تنتظر الالتفات اليها وبوش سيجد نفسه عاجلا او آجلا مضطرا لملء الثغرات الاساسية التي في خطابه. السؤال الأول: ما الذي سيدفع الفلسطينيين للقيام بإصلاحاتهم الضرورية؟ لقد طلب منهم تغيير قيادتهم. واعادة بناء مؤسساتهم. والبدء في اقامة ديمقراطية السوق الحرة. في نفس الوقت الذي يظل الاحتلال الاسرائيلي الوحشي جاثما عليهم. وما المقابل؟ أول ما يتبادر الى الذهن هو كيفية اقامة دولة فلسطينية. مؤقتة تفتقر الى حدود واضحة والى عاصمة ومقومات سيادية اساسية. ثم تأتي وعلى مسافة بعيدة على الطريق احتمال عودة المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل. وفي ظل غياب اي موجهات لما ينبغي ان تقود اليه. كما ان الخطاب لم يقترح اشتراك اي طرف ثالث لتقليل خطورة اصطدام المفاوضين بطريق مقلق خلال تلك المباحثات. في الخطاب ايضا دعوة لتغيير النظام الفلسطيني. ولكن في غياب جزر حقيقي يصاعب العصي المرفوعة. فلم يعط الفلسطينيون اي حوافز حقيقية لوضع تلك الخطوات الأمنية الضرورية موضع التنفيذ أو الإقدام على الاصلاحات الهيكلية. أيضا خطة بوش ستقوض بدل ان تعزز الاصوات المتنامية داخل المجتمع الفلسطيني التي تطالب بإجراء تغيير داخلي ووقت الهجمات (الارهابية) على المدنييين الاسرائيليين. السؤال الثاني: ماذا لو نجح الفلسطينيون وتحت رقابة دولية مباشرة وفي ظروف انتخابية نزيهة في اعطاء وكما هو متوقع انتصارا كاسحا لياسر عرفات ليصبح رئيسا تنفيذيا فعليا (ليس رمزيا فقط) للدولة؟ ما يتوقع ان يقوله البيت الأبيض هو ان الاصلاح لم يكن كافيا. السؤال الثالث والأهم: ماذا سيحدث اذا ما استمر العنف او تفاقم بعد كل تلك الاصلاحات عما هو اليوم؟ الكلام عن اقامة نظام جديد واسواق حرة ومفتوحة وقيام حكم القانون والديمقراطية كلام جميل الا انه يأتي مغلفا بأجواء من عدم المصداقية. ان المأساة تكمن في وجود بديل واقعي لانهاء سفك الدماء. فهناك عدد كبير من الاسرائيليين والفلسطينيين يبدون على استعداد لقبول تسوية سلام نهائية تلبي المتطلبات الاساسية لكلا الجانبين. ترتكز على اقامة دولتين وفقا لخطوط 1967 مع تعديلات متبادلة. واقامة عاصمتين في القدس ودولة فلسطينية منزوعة السلاح وحل لمشكلة اللاجئين. مثل هذه التسوية ستعتمد بشكل كبير على وجود عسكري ومدني دولي مكثف للمساعدة في وضعها موضع التنفيذ. ولمعالجة المخاوف الاسرائيلية المنطقية. مع الوضع في الاعتبار احترام الكينونة الفلسطينية. إلا أن هذه الحلول لا يمكن التوصل اليها من قبل الجانبين بمفردهما لعدم توفر الارادة السياسية والحافز السياسي. ولابد من جهود دولية. أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد يكون لديها متسع من الوقت لتنتظر ظهور دولة ديمقراطية وهمية يقودها زعماء فلسطينيون وهميون. وليس هذا ما ينتظره الاسرائيليون والفلسطينيون الذين يعيشون على ارض الواقع. ان الرئيس بوش بحاجة لإلقاء خطاب آخر وقريبا. ليس لتخيل المستقبل فقط بل ايضا لتقديم خطة عملية توضح كيفية الوصول الى ذلك المستقبل.. ولن يكون ذلك الخطاب بعيدا. @ ايفانز وماللي رئيس ومدير (على التوالي) برنامج الشرق الأوسط في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات.