أسابيع قليلة، ويحتفل كل سعودي وسعودية بأول مناسبة وطنية من نوعها، وهي "يوم التأسيس"، الذي وجه به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ليكون امتداداً طبيعياً لتاريخ المملكة الحافل بالإنجازات الإنسانية والملاحم البطولية التي سطرتها رموز هذه الدولة من ملوك وأئمة، أبوا إلا أن يضعوا حداً للضعف والفرقة والشتات التي انتشرت في ربوع بلادهم، فوحدوا القبائل من حولهم، وساهموا في تأسيس وطن شامخ وقوي، يمتلك كل مقومات البقاء والاستمرار. ويعكس يوم التأسيس اهتمام ولاة الأمر بالصفحات المضيئة لتاريخ المملكة، ويؤكد حرصهم الكبير والاستثنائي على أن تتعرف الأجيال المقبلة على تاريخ بلادهم كاملاً دون انتقاص، هذا التاريخ لا يبدأ بالطبع عند جهود الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن طيب الله ثراه وسيرته البطولية في توحيد البلاد تحت راية التوحيد قبل نحو قرن، وإنما سبق هذه السيرة، تاريخ آخر يمتد لنحو قرنين آخرين من الزمان، شهدا تأسيس الدولة السعودية الأولى، على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727م، منطلقاً من الدرعية في رحلة بناء دولة عظيمة، شكلت واحدة من أهم المشاريع الوحدوية، لم تعرفها الجزيرة العربية منذ قرون طويلة. وبعد نحو سبعة أعوام، تنطلق الدولة السعودية الثانية على المبادئ والأسس نفسها، ولم يكد تمر عشر سنوات أخرى من الدولة الثانية، إلا وتأسست المملكة الثالثة (الحالية) على ثوابت قويمة، ومرتكزات قوية، ليس أولها اعتماد القرآن الكريم وسنة المصطفى دستوراً للبلاد، وليس آخرها تعزيز الحق والعدل والمساواة في ربوع البلاد. أقول وأردد بأن التوجيه الملكي الكريم باستحضار تاريخ المملكة، والاحتفاء بيوم التأسيس في 22 فبراير من كل عام، يؤكد أن المملكة ليست دولة طارئة على التاريخ أو الجغرافيا، وإنما هي دولة قديمة وعتيقة، لها عمق تاريخي "استثنائي"، يجب أن تتعرف البشرية على تفاصيله وقصصه، لأنه يمثل تجربة إنسانية فريدة من نوعها وثرية، وجاء الوقت للاحتفاء بهذا التاريخ بالشكل المناسب، واستلهام الدروس والعبر منه في تحديد ملامح المستقبل. ويحق لكل منا نحن السعوديين والمسلمين أيضاً، أن نفخر بتاريخ المملكة، ونباهي به تاريخ الأمم الأخرى، لأنه تاريخ له مسار إسلامي، نابع من إيمان قادة هذه البلاد بالله ورسوله، والعمل بكل جد وإخلاص تحت راية التوحيد، هدفهم الأسمى إعلاء الإسلام، وجعله نبراساً في الحياة والحكم معاً، وقد حققوا ما أرادوا وأكثر. لا أبالغ إذا أكدت أن يوم التأسيس هو يوم وطني جديد، يعزز من حجم الولاء والانتماء إلى هذا الوطن، بتذكير الجميع بجهود الآباء والأجداد، وكيف تحملوا المشاق من أجل تأسيس المملكة، ولم يتنازلوا عن مبادئهم وثوابتهم، وليكن الاحتفاء بيوم التأسيس مغايراً، له استعداداته الخاصة، وبرامجه المنوعة، وفعالياته النوعية للوصول برسالته إلى الجميع.