لنفترض أنك ستقدم على القيام بمشروع تجاري أو ثقافي أو نحو ذلك، أو عمل تتطلع من ورائه لنجاح باهر، فهل أنت من أنصار الخيال الإيجابي الذي يذهب أصحابه إلى التفكير فيما بعد تحقيق النجاح؟ ربما لم تكن العبارة التي أوردتها واضحة ولكن لا بأس من توضيحها، فهناك الكثير من الأشخاص الناجحين على مستوى العالم تحدثوا في هذا الأمر ومارسوه فعلياً، فهم عندما ينوون التقدم لعمل يتطلعون من وراءه لتحقيق نتائج مميزة؛ فإن خيالهم الواسع يذهب بهم إلى أبعد من مسألة النجاح، بمعنى أنهم يضعون في أذهانهم سيناريوهات متعددة لاحتفالاتهم بالنجاح، وما سيترتب على ذلك النجاح من مكاسب كثيرة، وإن كان هذا في ظاهره أمراً سابقاً لأوانه إلا أنه له فوائد متعددة، منها خلق الحافز الذي يجعل الأشخاص الطموحين يعملون بأكثر من طاقاتهم لتحقيق أحلامهم. وهذه الميزة قد لا توجد لدى الكل، ولكن بزعمي أن من وجدت لديهم فإنهم أشخاص مميزون ولهم أهداف عظيمة، وعلى النقيض تماماً من ذلك الأسلوب المتفرد في التفكير، فإن هناك آخرون يفكرون بطريقة سلبية انطلاقاً من عبارة: ماذا لو فشلت؟ وهل سيسخر الناس مني؟ وماذا سيحدث لي بعد الخسارة؟. يقول الكاتب الألماني ريتشارد فاجنر: "لقد اكتشفت حقيقة بارزة، وهي أن ما يخلق ليس قوة الإرادة، بل الخيال والفنتازيا، فالخيال هو القوة الإبداعية وهو ما يخلق الحقيقة". بينما يؤكد بيكاسو على أهمية الخيال بقوله: "كل شيء يمكنك أن تتخيله هو حقيقي بالنسبة إليك". ألم تسمع بأشخاص كباراً كانوا أم صغاراً وهم يتحدثون عما يودون أن يكونوا عليه في المستقبل؟ بل إن البعض منهم أطلق على نفسه ألقاباً ووصف نفسه بأوصاف لم تتحقق في حينها، وبعد سنوات من العمل والاجتهاد وتصور النجاح؛ تحقق لهم ما أرادوا وكان للخيال دوراً كبيراً في ذلك. والحقيقة أن الموازنة بين الأسلوبين أمر مطلوب ومستحب، فنحن لا ننصح بتعظيم الأحلام وتصوّر النجاح المطلق، ولا نوصي بعدم الذهاب بتفكيرنا بعيداً عن توقع السلبيات، ولكن نرى بأن من كان لديه شخصية طموحة وأهداف واضحة فعليه أن يتخيل ويفكر فيما بعد مرحلة النجاح؛ لأن ذلك كما ذكرت سابقاً حافز على المواصلة والإبداع في العمل، كما ننصح بإعطاء السلبيات مساحتها التي تستحق؛ شريطة ألا تكون عائقاً لنا أمام التقدم وسبيلاً للتراجع أو التنازل عن أحلامنا. نعم هناك أحلام مرهقة لدى الكثير منا، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأسرة والأمور المالية والعمل، لذلك علينا أن نعي ذلك جيداً وألا نغامر بأي شيء يتعلق بتلك الأمور إلا مغامرةً محسوبة، وإنه لمن التهور أن يستدين الإنسان عشرات الملايين لإقامة مشروع تجاري، معتمداً في ذلك على أحلامه فقط وقليل من الموارد المالية، ثم تتسبب تلك المغامرة في نتائج غير متوقعة وتصبح الأحلام آلاماً والطموحات ذكريات بائسة.