كشف الكاتب عبدالله بن بخيت عن مزايا الصيام خارج المملكة ، ومنها أن النهار يختفي فيه المتلطمون والمتذمرون ، وكذلك تخلو الشوارع من الموظفين الذين يجوبون المدينة بجموسهم يمدون يد العون لإيمانك الديني ! وأضاف في مقالته التي نشرتها ” الرياض ” أن الصيام خارج المملكة عرفه معنى ” التطلي ” وجعله يدرك أن خوفك من ربك وعمق إيمانك هما المبرران الوحيدان لصيامك . المقال كاملا ً: للمرة الثالثة يقدر الله أن أصوم شهر رمضان في كندا. تلك ليست المرات الأولى التي أصوم فيها خارج المملكة. نصف رمضانات السبعينيات ومعظم رمضانات الثمانينات قضيتها خارج المملكة. تجربتي مع الصوم بعيدا عن الرياض مديدة وثرية ولها قيمة كبيرة في نفسي. تجربة كندا تختلف عن التجارب السابقة. في الرمضانات القديمة كنت أعزب. تغيب عن مائدتي كلّ أصناف رمضان السعودية. لا لقيمات ولا سمبوسة ولا تطلي ولاماصية ولا محلبية، ولا توت ولا قمر الدين ولاءات أخرى لا حصر لها. أما في رمضانات كندا فقد توفرت كل هذه الأصناف حتى التطلي. لأول مرة بعد أربعين عاما أعرف من أين جاءت كلمة تطلي. لم أشاهدها على مائدتي فقط وإنما شاهدتها في إعلان في إحدى الحافلات. قد تكون الصدفة أو أن إحساس رمضان في داخلي أيقظني على الإعلان. التطلي بالسعودي اسم لنوع من أنواع الحلي أما بالكندي فهو اسم شركة أغذية تصنع هذه المادة. إذا كان اسم تطلي احتاج مني أربعين سنة لكي أصل إلى مصدره فسأحتاج إلى أربعين سنة أخرى لأعرف مصدر الماصية. بهذه الحسبة أحتاج إلى أربعمائة سنة لأتوصل إلى تفاصيل المائدة الرمضانية السعودية.. لا أخفي على أحد سعادتي بالصوم خارج المملكة. ليل المملكة رائع في رمضان في مقابل نهارها الكئيب, أما في كندا فقد جمع الله الحسنيين إلى درجة كبيرة. في النهار يختفي ولله الحمد من شوارع كندا المتلطمون والمتذمرون والمتوترون والأوصياء على البشر. سواء أكنت صائما أم غير صائم أنت ملزم أن تحترم الآخرين. صيامك لك وحدك وليس للدولة. لا يوجد تسهيلات رمضانية خاصة. إذا أردت أن تصلي عليك أن تركن سيارتك في المحل الصحيح، وإذا كنت متأخرا عن وقت الصلاة فأنت المسؤول أمام ربك وليس الناس الذين سوف تعطلهم وتؤذيهم برمي سيارتك في منتصف الطريق والهرع إلى المسجد. أما مسألة الصيام وعدم الصيام فاللعب على المكشوف. خوفك من ربك وعمق إيمانك هما المبرران الوحيدان لصيامك. لا يتوفر جيش من الموظفين يجوبون المدينة بجموسهم يمدون يد العون لإيمانك الديني ويحمونه من التضعضع. صراعٌ أمره متروك لك. من ينتصر في قلب المؤمن: الإيمان أم الشهوات. أما ليل رمضان في كندا فهو أقل مرحا من ليالي الرياض الرمضانية. لا تزيد تورنتو درجة صخبها أو سهرها أو سعادتها, ولا يوجد شباب منبوذون من دخول الأسواق والمولات يملؤون شوارعها بسياراتهم الضاجة. يسعدني أن أكون في ليل الرياض في رمضان. تشاهد على وجوه الناس البشر والسعادة. بيد أن لكل شيء ميزاته وعيوبه. ما يغطي هذا العيب الكندي هو غياب ضجيج الميكروفونات الصاخبة.. لست سعيدا أن أكون بعيدا عن الرياض ولكنني سعيد أن تتاح لي الفرصة لأقول للناس إن الصيام الحقيقي هو صيامك أنت لا صيام الأنظمة والقوانين والبيانات وكتابة التعهدات..