هل يمكن أن يحلق الإنسان في السماء كالطيور؟... يبدو أن تحقيق هذا الحلم صار وشيكا، وأننا بصدد الدخول في عصر “الطيران الشخصي” الذي يمكن فيه للإنسان أن يطير في الهواء من خلال آلة، لا تعدو كونها “حقيبة” تعمل بالمحركات النفاثة، يضعها على ظهره. فقد نجح أحد المخترعين في نيوزيلندا في جعل آلته التي ابتكرها تطير إلى ارتفاع أكثر من 1500 متر فوق سطح الأرض للمرة الأولى في التاريخ. أجريت تجربة طيران الآلة الجديدة، التي تعرف باسم “مارتن جيتباك” ويتم التحكم فيها عن بعد، فوق جزيرة ساوث آيلاند النيوزيلندية، حيث وضعت بها دمية مخصصة لاختبارات التصادم في مقعد القيادة. هذه التجربة خضعت لمراقبة إحدى المروحيات، وسجلها طاقم مصورين من التليفزيون النيوزيلندي. أعيدت الآلة إلى الأرض بسلام من خلال مظلة تعمل بمحرك صاروخي عكسي لتهدئة سرعة الهبوط، وهي خاصية مهمة توفر لقائد الآلة فرصة للنجاة في حال تعطل المحرك في الهواء. يقول مبتكر الآلة جلين مارتن، من مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، والذي بدأ العمل على تحقيق حلمه الخاص ب”الطيران الشخصي” في سقيفة حديقة عندما كان طالبا جامعيا قبل 30 عاما: “لقد بذلنا كل ما في وسعنا لجعلها (الآلة) آمنة إلى أقصى درجة ممكنة”. وقال مارتن للتلفزيون النيوزيلندي إن آلته “جيتباك” وآلة أخرى سابقة تدعى “بيل روكيت بيلت” لم يمكنهما الارتفاع في السابق سوى لبضعة أقدام فوق سطح الأرض، الأمر الذي دفع بعض وسائل الإعلام إلى السخرية من آلة “مارتن جيتباك” عندما عرضها مبتكرها في معرض “أوشكوش” للطيران بولاية ويسكونسن الأمريكية قبل ثلاثة أعوام. رغم ذلك، كانت إمكانيات هذه الآلة واضحة، إذ وصفتها مجلة “تايم” الأمريكية بعد مرور عامين بأنها واحدة من أفضل 50 اختراعا حديثا في العالم. عانى مارتن من عدة انتكاسات على مدار السنوات الماضية، وأنفق ما لا يقل عن 12 مليون دولار نيوزيلندي (تسعة ملايين دولار أمريكي) من مدخراته ورأس المال الاستثماري الذي جمعه بنفسه لتمويل المشروع ومن ثم تحقيق حلمه. دفعه اختبار الطيران الأخير إلى طرح أسهم شركته في البورصة كي يتسنى له جمع رأس المال الكافي لإنتاج كميات كبيرة من آلته للأغراض التجارية. يقول مارتن إن اختراعه عملي، كونه يعمل بمحرك بنزين تقليدي يقوم بتشغيل مروحتين تنتجان قوة دافعة كافية لتحريك الآلة في عمليتي إقلاع وهبوط رأسيتين، مما يمكن قائدها من الطيران لفترة طويلة. وأوضح مارتن أن آلته استحدثت قسما جديدا في أسواق الطيران ومركبات الاستجمام. صحيح أن هذه الآلة صممت في بادئ الأمر لتكون منتجا ترفيهيا، إلا أن الطلب التجاري لها دفع برنامج البحث والتطوير الخاص بها إلى قطاعات أخرى، لاستخدامها في الاستجابة لحالات الطوارئ والأغراض الدفاعية على سبيل المثال. يقول مارتن إن “عددا من المؤسسات المتخصصة التي يحتمل أن تشتري كميات كبيرة من أجهزة (مارتن جيتباك) اتصلت بشركة (مارتن ايركرافت) لتقديم طلبات، بينها الجيش والهيئات المعنية بالاستجابة لحالات الطوارئ وأجهزة الشرطة وعاملي الإطفاء والفرق الطبية وفرق البحث والإنقاذ وحرس الحدود”. وأضاف: “لا يزال (الاختراع) ينطوي على كثير من المرح والترفيه، لكن ما نكتشفه الآن هو أن له استخدامات مهمة أيضا. فيمكنك استخدامه في عمليات البحث والإنقاذ التي لا يمكنك القيام بها عبر المروحية”. يشير مارتن إلى أن تجربة تطوير النسخة التي تطير بدون قائد ويمكن التحكم فيها من بعد لاستخدامها في اختبار الطيران فوق جزيرة ساوث آيلاند ستكون بمثابة نموذج يحتذى به. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام هذه الآلة في أخذ عينات من الهواء الذي يعلو محطة فوكوشيما النووية اليابانية التي تضررت من زلزال مارس وما أعقبه من أمواج مد عاتية (تسونامي). يقول مارتن، الذي أجرى ما يزيد على 2500 تجربة طيران ناجحة تجاوز إجمالي مدتها المائة ساعة: “الآن قد وصلنا إلى المراحل النهائية للبحث والتطوير، لتلبية الاهتمامات المبكرة لأسواق الدفاع العسكري والدفاع المدني”. حصلت شركة “مارتن ايركرافت” على أربع براءات اختراع في الولاياتالمتحدة، وتجيب على أي استفسارات من العملاء التجاريين. يقول مارتن إنه سيتم بيع الجهاز الجديد للأفراد فور تصفية الطلبات التجارية لشراء أجهزة “مارتن جيتباك” بنوعيها، تلك التي يقودها إنسان والأخرى التي يتم التحكم فيها عن بعد.