في الشهر الماضي اشتعلت حرب إعلامية شرسة بين الرئيس الإيراني السابق احمدي نجاد من جهة ورئيس السلطة القضائية في إيران صادق لاريجاني ومن ورائه المرشد خامنئي من جهة أخرى. ولم تكد تظهر نتائج النزاع بينهم حتى بدأت مظاهرات قوية عمت مختلف المدن في جغرافية ما يسمى إيران لتصل لسبعين مدينة يوم امس الاثنين في اول يوم من عام 2018 لتؤكد عجز النظام عن تلبية مطالب الشعب الأساسية في الحياة الكريمة. المظاهرات التي عمت البلاد من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها طالت كافة القوميات من فرس واذريين واكراد وبلوش وعرب احوازيين. ولأول مرة منذ نجاح ثورة الشعوب عام 1979 بعد طردها للشاه حينها، تظهر هكذا مظاهرات شعبية شاملة بدأت ضد غلاء المعيشة وسوء الأحوال المعيشية والتضخم الاقتصادي والبطالة المرتفعة جداً لترتفع الشعارات المطالبة برحيل النظام بأكمله بدءاً من ترديد شعار الموت لخامنئي وروحاني وحتى قاسم سليماني. فالشعوب قالت كلمتها بعد ان ملت من الوعود البراقة والاكاذيب المستمرة الذي تجرى في عروق الملالي المسئولين في طهران مجرى الدم. فالشعوب فاقت من سباتها بعد ان خدرهم الخميني بشعارات زائفة ووعود وردية من قبيل مجانية الماء والكهرباء والنقل ليصتدموا بالواقع المرير والنتائج الكارثية على مدى 39 عاماً. فالخميني استعان بالعرب اولاً واصفاً إياهم بأنهم نسل النبي العربي محمد بن عبدالله واله وكال لهم المديح والاطراء وبالغ في تقديم الوعود الكاذبة لهم فقاموا بالاضراب وإيقاف الصناعة النفطية برمتها لاسيما من عبادان حيث مصفاة النفط الاضخم في الشرق الأوسط حينها والتصدير فانهار نظام الشاه. كما استعان بمجاهدين خلق وحزب تودة الشيوعي وغيرهم للقضاء على اتباع الشاه وتهيئة الوضع واعدام كبار ضباط الجيش ثانياً. ثم استعان بصدام حسين بجره لحرب ضروس لثمان أعوام لتسنح للملالي فرصة ذهبية لتصفية كافة المعارضين لهم في الداخل وحتى من ساندوهم وسلموهم السلطة على طبق من ذهب. فجاءت الثورة العارمة هذه الأيام سلمية بدايةً لكنها ولدت من رحم احزان عميقة وجروح لم ولن تندمل، بعد ان قدمت الشعوب فلذات اكبادها ضحايا لتهور الملالي ومغامراته في الحرب العراقية الإيرانية وفي تصفياته لكافة ما لا يريدهم من معارضين وحتى اتباع. فالنظام ثيروقراطي قمعي عنيد قدم صورة مسيئة للاسلام واكمل مسيرته على أشلاء الشباب والشابات وقمع حتى احلامهم وجعل إيران اكبر مصدر ومستهلك للمخدرات في العالم وعدد المومسات في هذه الدولة التي تدعي الإسلام مئات الالاف والابناء غير الشرعيين ايضاً لهم ارقام فلكية ويزدادون كل عام. واغلب السياحة الدينية التي تأتي لمشهد وغيرها من مدن إيران تأتي طلباً للمتعة الرخيصة اولاً واخيراً. والمضحك في الامر ان علي شمخاني – امين عام المجلس الأعلى للامن القومي الإيراني – ذو الأصول الاحوازية العربية والعميل لنظام الملالي والخائن لشعبه، اتهم بعدائية السعودية صراحة وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان شخصياً بأنه وراء ما يحدث من اضطرابات داخل إيران! وكأن إيران لا مشاكل لديها الا السعودية وولي العهد السعودي! وهذا بالطبع ديدن النظام المتأسلم في طهران والذي يسعى منذ ثورته لتصدير مشاكله للخارج. فالخميني قالها صراحة ايضاً ان الحرب العراقية الإيرانية نعمة!!! وهو النظام الذي جاء بشعار تصدير الثورة ليخلق المشاكل مع بداية تسلمه لزمام السلطة في طهران. ونسى او يحاول التناسي النظام واقطابه ان المشكلة الحقيقية هم من خلقوها باحتقار الشعب وازدراء مطالبه على حساب ازدياد ثروات اقطاب النظام وحواشيهم. ان استمرار التظاهرات لليوم السادس على التوالي وعدم اكتراث المتظاهرين بتهديدات الملالي ووعيدهم ومحاولاتهم اليائسة لتشتيت الانتباة وتغيير بوصلة الثورة لدليل واضح وجلي على عدوانية واجرام ملالي طهران الذي لم يترك سبيل للشعوب سوى الثورة وانتصارها والا سيعود النظام لقمعه اكثر من ذي قبل. فهذه فرصة للشعوب لاغتنام تخبط نظام الملالي وصعوبة استخدامه للقوى القمعية كما كان الحال في السابق سواء في مظاهرات 2009 او في غيرها. فالانتشار الجغرافي الواسع للمظاهرات في جغرافية كبيرة كإيران يجعل من المحال كبتها ووأد شرارتها التي اشتعلت ولن تنطفىء قبل زوال نظام الملالي. اما البدائل فوضع الشعوب مأساوي في الداخل، فمنهم من يطالب بعودة الملكية ونظام الشاه واخرين المهم لديهم زوال نظام الملالي، وقد يتمكن الجيش في فرض سيطرته باعتباره مؤسسة عسكرية قوية رغم ما قام به النظام مؤخراً من تسليط قيادات من الحرس الثوري على رأس قيادة الجيش او قد تتفكك الدولة وتنجح القوميات في الانفصال وان كان هذا الاحتمال بعيد المنال حالياً. ومجاهدين خلق ايضاً يحلمون بعودتهم لإيران واستلامهم للسلطة وان كانوا منبوذين من الداخل بصورة كبيرة. ومهما يكن فالبديل لن يكون بسوء نظام الملالي وزبانيته ومليشياته التي انتشرت في كثير من الدول العربية. في حين ان على دول الخليج العربي الفرح والسرور نتيجة اقتراب زوال هذا النظام المسبب للكوارث والفتن المستمرة في المنطقة وجعلها في صفيح ساخن ولا يبرد منذ قدومه، او في احسن الحالات تضعضعه. فهو النظام الذي يتبجح بأنه يسيطر على اربع عواصم عربية مهمه. وهو النظام الذي يزرع الفتن لاسيما في البحرين والسعودية والكويت، وهو الذي دعم قطر وفتح ابوابه لقطر لمحاولة الاستغناء عن اشقائها العرب وبالتالي سقوطه معناه حتميه عودة قطر للحضن الخليجي. وفي الختام التوقعات كثيرة لهذا الاحتقان وبالتالي الانفجار الشعبي الجاري في إيران، وعلى الدول العربية الترقب والحذر مما قد يقدم عليه نظام الملالي لتصدير ازماته الداخلية للخارج ومحاولاته المستميته لاطالة عمره بالحيلة او الفتن او أي سلاح يجده متاحاً. وبالمقابل على الدول العربية ولاسيما الخليجية عدم التدخل حالياً بالازمة سواء سلباً او ايجاباً عدا النقل الإعلامي الصادق والمستمر للثورة لتأخذ وقتها وتتطور طبيعياً لتنضج وتأتي ثمارها باسقاط هذا النظام العدواني وبعدها تبدأ صفحة جديدة من علاقات حسن الجوار والاستثمار المشترك مع الجار القادم الجديد. وان غداً لناظره لقريب.