لقد كرم الله الإنسان وفضله على سائر مخلوقاته ، فمنحه الحرية الكاملة ليعيش في الوجود بلا منازع ، فتكريم الله للإنسان ظهر عند خلق الله لآدم عليه السلام لما أراد الملائكة الادعاء بالعلم ، فعلم آدم الأسماء كلها ، وقال لهم (إني أعلم مال ا تعلمون) فأسجد الله ملائكته لآدم سجود تشريف وتعظيم لا سجود عبادة ، فمنذُ ذلك اليوم النفس البشرية مصانة بغض النظر عن معتقد صاحبها أو لونه أو انتمائه. ولكن حكمة الله عز وجل تتجلى في إرسال الرسل إلى أقوامهم مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، فقام الرسل بدعوتهم الموحدة من إخراج الناس من عبودية العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الظالمين إلى عدالة الإسلام . وعندما ننظر إلى ديننا الإسلامي الحنيف بتعاليمه السمحاء منذُ أن تحمل نبينا محمد – عليه الصلاة والسلام – مسؤلية الرسالة لم يزل يُبين للأمة أن بعثته رحمة للعالمين جميعاً مصداقاً لقوله تعالى ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين ) فالرحمة المحمدية عامة لجميع الكائنات . وفي هذه الأيام فوجئنا بقضية تناقلتها وسائل الإعلام بأنواعها وطرق التواصل الاجتماعي ، تشمئز بها القلوب ، وتأباها النفوس ، وتفيض منه الدموع ، وهي قضية : المتاجرة بالبشر في أسواق ليبيا ، معظمهم من الأفارقة الذين فروا من الفقر من بلدانهم للعبور من ليبيا إلى أوروبا بحثاً عن رغد العيش ، فالممارسات الإجرامية الوحشية التي ترتكب ضدهم في اعتقادي هي تصدر من جماعات إرهابية متطرفة خرجت بعد مايسمى بالربيع العربي لتشويه ديننا الحنيف وتمزيق أمتنا المجيدة ، متى كان الإنسان الذي تحرر من ويلات الإستعمار وهو في القرن الواحد والعشرين والذي وصل الإنسان إلى عالم العطاء ، ويبلغ الفضاء بالعلم والحريّة وهناك من يريدون استعباد البشر ببيعهم بثمن بخس دراهم معدودة ؟ إنهم لا يمثلون ديناً ولا ملة ، ولا مجتمعاً مدنيا ، فلوا كانوا أهل دين لعلموا أن للكل حقوقاً سواء كان مسلماً أو غير مسلم ، وحرية العقيدة أمر كفله الإسلام ، فقد كفل حرية العقيدة لأهل الكتاب وحرية إقامة شعائرهم ، وصان لهم حرية التعبد ، والاعتقاد من غير إجبار ولا إكراه ولا ضغوط ، قال سبحانه : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ، وكفل لهم الإسلام حق حماية دمائهم وأنفسهم وأبدانهم ، وقتلهم حرام بالإجماع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد مسيرة أربعين عاما) رواه أحمد في الجزية . هذا فيما يتعلق بالمعاهد الذي دخل محارباً فما بالك بمن دخل بحثاً عن الرزق سواء كان مسلماً أو غير مسلم ، هل يباع ويستعبد ويُضرب وتنتهك كرامته عرياناً بقطع أعضاء جسمه ؟ وفي الختام يجب إلقاء اللوم على تلك الدول التي ساهمت ودعمت بأموالها وأجهزتها الإعلامية بما يسمى بالربيع العربي ، لأن هذه الجماعات المسلحة المرتزقة باسم الدين ، والدين برئ ، لم تخرج من جحورها إلا بعد ما انتشر سرطان الثورة التخريبية في جسم الأمة ، ومع ذلك كله وقفت الهيئات الإسلامية العالمية والمجامع الفقهية لتجريم وتحريم جرائم تلك الجماعات كهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ورابطة العالم الإسلامي والأزهر الشريف ، كل ذلك مما جعل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – يشرف ويرعى ويدعم المؤتمرات المنعقدة لمحاربة ظاهرة التطرّف والإرهاب لمكانة المملكة العربية السعودية في نفوس المسلمين ، إذا فالمسلمون لم يتاجروا بالبشر منذ نزول رسالته إلى يومنا هذا إلا بعد ما صدرت الفتاوى التحريضية للسلب والقتل ممن لم ينفقوها في دين الله ، فينبغي للحكومة الليبية محاسبة المجرمين العابثين لتحسن صورتها أمام العالم، وذلك أن الجرائم تُمارس على أراضيها.
*إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بدرانسي شمال باريس ونائب رئيس منتدى أئمة فرنسا