كم نحن بحاجة لها مجتمعات وأفراد فالتعايش مع النفس يكسبك السكينةووضوح الأهداف والتعايشمع العائلة يكسبك الانفعال الجميل، والتفاعل الإيجابي مع الحياة،والتعايش مع الصاحب يزيده لك قربا،وحبا،والتعايش مع العمل الوظيفي يكسبك ولاءا جديدا، وكذلك التعايش مع المغايرفي الرأي ينضج فكرتك،ويبني مشتركاتك لحياة إيجابية. فهو بحق مفتاح للحياة ،ومحفز على تجسير المشتركات الإنسانية ليذيع الوداد بين بني البشرويبني الإنسان الحياة ويعمرها، ويحمل بحق معنى الجهاد الصحيح، بمعناه الواسع، ففي الحياة جهاد ومجاهدة وفي الحياة تنافسية في خدمة البشرية، وليس هذا في وهلي إلا ثمرة من ثمرات إنعاش التعايش، وتوظيف المشتركات الإنسانية توظيفا إيجابيا، وهوتطبيق من تطبيقاته الميدانية اليسير ة، ذلك أن المشتركات الإنسانية في خطاب الإسلام حاضرة جلية في: أولا: جنس الإنسان يشترك في الكرامة العامة فأصل الكرامة العامة المذكورة في قوله جل وعز: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] ثابتة لجميع بني آدم، فقد كرمهم بأن خلقهم في أحسن صورة، وقومهم في أحسن تقويم وأحسن قامة، وكرمهم بأن ركب فيهم العقول التي بها يعرفون المحاسن من المساوي، وكرمهم بأن سخر لهم جميع الخلائق،وهذا اعتدال في النظرة لبني البشر. ثانيا: جنس الإنسان يشترك في حق حفظ المقاصد الكلية التي دعا الإسلام إلى حفظ الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض والمال) بلا تفريق بين الناس، فحفظ الحرية في الاعتقاد،وهذا عدل واعتدال {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] وحذر من المساس بحق المعاهدين من غير المسلمين في الحياة وهذا عدل واعتدال ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) [أخرجه البخاري] وحرم على المسلم المساس بمال غير المسلم وهذا عدل واعتدال، فعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة) [أخرجه أبو داود، وصححه الألباني] وفي كتاب الحنابلة أن من قذف مشركا أدب.. [شرح الزركشي على مختصر الخرقي 6/ 315]. ثالثا: جنس الإنسان يشترك في أصل واحد ركز خطاب الإسلام على حقيقة وحدة البشرية وانتماء الجميع إلى أصل واحد، وهذا ما يبرز بقوة في قوله جل وعز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات 13] وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الناس بنو آدم وآدم من تراب) [أخرجه الترمذي وحسنه]. واعتراف الإسلام بالأصل المشترك بين الناس يعد من أهم المرتكزات التي مهدت لتأسيس بنيان السلم الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية ذات التعددية العقدية والقبلية،وهذا حجرزاويةالاعتدا ل فيه. رابعا: احترام العلم والعقل والعمل والحرية والعدل؛ فليس هناك دين قدر العلم كما قدره الإسلام حتى إنه جعل الخشية الكاملة حكرا على العلماء العاملين، يقول جل وعز: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فطر: 28]، والعلم في الإسلام هو العلم النافع ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) [أخرجه مسلم]. وقد حظي العقل في رحاب الإسلام بمكانة سامية ومنزلة عليا، وتتضح مكانته في جعله من الضروريات. وقد أسس الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ الحرية في الإسلام على أساس العبودية الخالصة لله تعالى الواحد الأحد، وعلى الخروج من مآثر الجاهلية، ومن قيد الشيطان والدخول في قيم الإسلام، ومن هنا تكون حرية الإنسان المسلم وإرادته لما يصلح حياته في إطار هذه القيم الثابتة، والسير في ركاب هذا المفهوم يجعل حياة الإنسان في توافق وانسجام مع نواميس الكون وسنن الله في فطرة الوجود كله وهذا هوالمقصدمن اعتداله، وبهذا ينشط الإنسان المسلم لعمارة الكون،والدعوةإلى الوسط ،وبيان التوحيد والدعوة إليه. بقي أن أقول: الاعتدال بحق مفتاح التعايش ومنعش للمشتركات الإنسانية. وفقكم الله لخير الإسلام والإنسانية جمعاء