الإنترنت ليس مجرد تطور تكنولوجي بقدر ما هو بعد فكري وثقافي مهم ويمكن أن نطلق عليه ” البعد الرابع ” من حيث النفوذ الثقافي في المجتمعات باعتباره بعدًا يضاف إلى الأبعاد المسيطرة الأخرى “الاقتصادية والسياسية” لنشره مفاهيم الثقافة متجاوزًا حدود المكان والزمان. ومن هذا الكيان ظهر ما عرف “بالمنتديات الثقافية” التي كونت ثقافة قائمة بذاتها وولدت أدواتها ذاتيًا وأنتجت ما يعرف بثقافة الإنترنت، هذا الثقافة ينطبق عليها تعريف (أدوارد تيلر) أن الثقافة هي ذلك المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعرف وأي قدرات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع. وهذا ما ينطبق على شكل منظومة “المنتديات الثقافية”.منذ أن أتيح للأفراد الاشتراك بالإنترنت في المملكة العربية السعودية ابتداء من عام 1999، كان تأسيس المنتديات الثقافية والحوارية والمشاركة فيها من أكثر تطبيقات الإنترنت استخدامًا وإقبالاً وتباينت طروحات وأهداف المنتديات الثقافية من حيث تسمياتها وموضوعاتها وقوالبها الفنية والأدبية وكذلك تبني كتابها للاتجاهات المختلفة في منتدياتهم. شكلت انطلاقة الشبكة العنكبوتية ما عرف بالمنتديات الثقافية كظاهرة إعلامية جديدة مرتبطة بتكنولوجيا المعلومات وأصبح المشهد الثقافي أقرب إلى أن يكون ملكًا متاحًا للجميع بعد أن كان يحتكره أفراد محددون ومساحة محددة وأفكار محددة وصار المحتوى الإعلامي الثقافي أكثر انتشارًا وقادرًا على الوصول إلى أكبر عدد من المتلقين من القراء عبر الفضاء الإلكتروني مما فتح آفاقًا جديدة ومتعددة. ونتيجة لهذا ظهرت المنتديات على نطاق واسع وأصبحنا في قلب ما عرف بالثقافة الإلكترونية “مواكبين التحول المعرفي الإنساني الذي منح الثقافة شكلاً جديدًا أخرجها من مغبة الخصوصية وحيز المكان والزمان إلى فضاء أرحب. أصبحت المنتديات الثقافية كيانات حقيقية على الإنترنت وتشكلت في هيئة جماعات مختلفة التوجهات على فضاء الإنترنت فساعدت طبيعة الإنترنت على تشكيل مجتمع ثقافي في عالم الثقافة الرقمية. وهذا يولد سؤالاً عن مفاهيم ودلالات هذه المنتديات والنظر في توظيفها ثقافيًا وأهميتها في عملية الاتصال المعرفي والثقافي في مجتمعنا، حيث ظهرت هذه المنتديات كمنفذ حيوي في مجال الحوارات والنقاشات وتبادل الآراء والمعلومات بين كافة المستخدمين للإنترنت. لم يُعدُّ التعامل مع المنتديات مقتصرًا على فئة بعينها أو توجه بعينه إنما فتح المجال ليكون نافذة حقيقية للمعرفة والثقافة التي تتعاظم يومًا بعد الآخر في عالم الإنترنت. إنه لا ينبغي النظر إلى “المنتديات الثقافية” كمجتمع مستقل بل كبنية متحررة من قيود رقابة النشر، علمًا أنها لازالت امتدادًا طبيعيا للسياقات الثقافية السائدة، فمعظم ما ينشر فيها مأخوذ من هذه الثقافة السائدة والمحلية ولكن حدث لها تكيف مع بيئة الإنترنت والمنتديات بحيث تستطيع هذه المنتديات أن تقدم لأعضائها مواد جاذبة ومتنوعة ومتاحة. فأنتجت المنتديات الثقافية حالة إشباع لافتة في النقاشات الأدبية والحوارات أكثر مما تمتلك الصحف الورقية. سهّل الإنترنت كثيرًا الوصول إلى المعلومة، وفيه حظيت الثقافة بنصيب كبير، حيث انتشر ما يعرف “بالثقافة الإلكترونية” وانتشار المنتديات الثقافية الإلكترونية، كما أصبح لهذه المنتديات دور مهم في التكوين الثقافي للفرد الذي كل ما يلزمه هو البحث عن منتدى ثقافي عبر الإنترنت لتظهر له عشرات المنتديات المعنية بالأدب والثقافة والفنون.