نهاية داعش ليست الهدف المنشود لسلامة المجتمعات من الإرهاب المتأسلم، فداعش نتاج للتأسلم السياسي، وفكر الصحوة والتيار السروري النابعة من موروثات الإخوان المسلمين. حين يُعّلَن نهاية داعش، والإنتصار عليه، فهذا لا يعني أن الإرهاب قد أنتهى في المجتمع، فالفكر المتطرف والتراث السروري (السلفي الجهادي) الذي نبتت منه داعش لا يزال موجوداً بتراثه ومصادره. بل لا يزال ينتشر على المنابر وفي الإعلام والأنشطة اللاصفية في التعليم، وكم من داعية وأكاديمي في جامعاتنا لا يزال يقول: داعش إخواننا بغوا علينا. ومنهم من يقول بأن القاعدة والإرهابي أسامة بن لادن، ليسوا بخوارج، وأنه ليس لهم علاقة في إستباحة الدماء وأنهم غير متساهلين فيها. وكم من داعية عربي وأكاديمي خليجي، يَرَوْن في سيد قطب "مجدد الفكر التكفيري في هذا العصر" المثل الأعلى لروح الفكر الجهادي في الوقت الحاضر، ويشتركون بهذا مع أيمن الظواهري الذي قال في صحيفة الشرق الأوسط، عدد 8407- في 19/9/1422ه: "إن سيد قطب هو الذي وضع دستور الجهاديين في كتابه الديناميت معالم في الطريق". وقد أعترف مجدد الحركة الإخوانية الإرهابي "يوسف القرضاوي" في أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة صفحة 110، بحقيقة سيد قطب حين قال: كتب سيد قطب تنضج بتكفير المجتمع وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة. الإرهاب المتأسلم، قبل أن يكون عمليات إنتحارية وقتل للأبرياء ودموية وبشاعة منافسه للإنسانية، هو فكر منحرف، وشهوة إستعباد للمجتمعات، وسعي للسيادة على العالم، وثقافة تقتات على ابتسار الهوية الوطنية وطمس معالمها في المجتمعات. فالإخوان المسلمين مثلاً، لم يثوروا على العالم ويتقربوا في العديد من الدول للحكومات، إلا للحصول على السلطة والوصول للحكم، تحت مسميات عدة أشهرها "إعادة الخلافة الإسلامية"، ومن أجلها تم تكفير كل من خالفهم أو عارضهم ولم يسر على طريقتهم. قال مؤسس الفكر الخارجي لجماعات التأسلم السياسي حسن البنّا في مذكراته: من لم ينظم إلى الإخوان المسلمين فلا حظ له في الإسلام". وهذا بعينه ما فعله الدواعش في زماننا الحاضر، إذ يكفرون كل من لم يدعمهم ويقف معهم، ويوالون كل من يدعمهم ويقف معهم، لهذا تركوا قطر وإيران، وهاجموا السعودية والمسلمين في الحرمين ودول الخليج ومصر. وليس الحل ولا الخلاص من فكر الإرهاب بمجرد لقاءات إعلامية، وضربات استباقية أمنية، بل بضرورة مراجعة المناهج والموروثات التي ساعدت في صناعة التطرّف وانتشار الإرهاب، مع تدريس قبول الخلاف وتشريع التعددية في الرأي، ومحاربة الإقصاء والأوحدية في الرأي والفكر السلمي، مع نشر التوعية بخطر الإرهاب، وتعزيز الأمن الفكري. وتنقية الساحة الدعوية والمنابر الشرعية والإعلامية من الفكر المتأسلم الذي هو نواة التطرّف الأولى، لأنه ينشر الكراهية ويشرعن العنف ولا يهتم بقضايا الوطن. فالحلول المطروحة لدحر الإرهاب، خاصة الفكرية، ضعيفةٌ جداً، ولا ترتقي لمكافحة ومواجهة الإرهاب، بل أن مناهج تصدير الإرهاب وآيدلوجيات الجماعات المتطرفة أقوى من الطرح المتصدي لها وأكثر تطوراً، حيث أنهم جعلوا من فكرهم المتطرف ثقافة عامة تم تصديرها للمجتمعات المحافظة والمدنية، كلٌ بما يناسبه. علينا الإعتراف بالفشل الذريع في مواجهة التطرّف فكرياً، وأن الذي يحدث في جامعاتنا والمؤسسات المتصدية للإرهاب والتطرف ليس أكثر من بهرجة، ومحاولات لإظهار شخصيات بأنها ضد التطرّف والإرهاب لا أكثر، دون عمل مؤسسات يستمر ولا ينتهي بتغير الأشخاص، ولو كان الأمر غير ذلك، فما هو نتاج تلك المؤتمرات والملتقيات والمعارض التي أقيمت بزعم محاربة التطرّف ومواجهة الإرهاب ؟؟ كما أشير إلى ضرورة إعادة النظر في مراكز وبرامج المناصحة التي دخل فيها بعض الإرهابيين ثم رجعوا لما كانوا عليه في السابق وأشد مما كانوا عليه. فالأيام سريعة جداً، والإرهاب يضرب العالم كل يوم بأقوى من الذي سبقه، ونحن لا نزال مكتفي الأيدي لم نفعل شيئاً حقيقياً يواجه التطرّف والإرهاب والتأسلم السياسي، ونهاية داعش مع هذا الواقع المؤسف، يؤذن بظهور ماهو أشرس من داعش وأكفر، مالم نتدارك الواقع الخطير، ولا نهاية لداعش بوجود فكرها من جهة، وأشباهها كالتطرّف الشيعي من جهة أخرى. A_2016_s@ عضو الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد في المسجد الحرام بمكة المكرمة -سابقاً-