بموافقة كريمة سامية من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله وأيده – وبحرصٍ واهتمام من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز آل سعود سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة افتتح معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس مسجد ومدرسة السلام في مدينة بريستون ببريطانيا. وبعد أدائه صلاة العصر إماما بالمصلين في المسجد ثم ألقى الأستاذ إلياس باتيل رئيس مجلس الأمناء كلمة رحب بها بمعالي الرئيس وشكر خادم الحرمين الشريفين لموافقته الكريمة على طلبهم بمشاركة معالي الرئيس افتتاح مسجد ومدرسة السلام وذلك دليل على حرص المملكة على رعاية قضايا المسلمين وإيفاد أئمة الحرمين الشريفين لمشاركتهم في مثل هذه المناسبات وشكر سفارة خادم الحرمين الشريفين بالمملكة المتحدة على اهتمامهم بشؤون الجالية الإسلامية. ثم ألقى معاليه كلمة افتتحها بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على خاتم المرسلين ثم شكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي عهده الأمين على اهتمامهم في كل ما من شأنه دعم قضايا المسلمين في كل مكان كما شكر سمو الأمير السفير والقائمين على مسجد ومدرسة السلام ونقل إليهم دعوات وتحيات ولاة الأمر وأئمة وخطباء وعلماء الحرمين الشريفين مؤكداً أهمية المسجد بالإسلام وأثره في تعزيز الأمن والسلام والمحبة. مشيراً إلى أهمية حسن اختيار اسم السلام مؤكداً أن الله هو السلام وأنّ الإِسْلاَمَ هُوَ دينُ السَّلام، وهو الأَسَاسُ الَّتِي لاَ تَنْمُو شَجَرَةُ الحُرِّيَّةِ الإِنْسَانِيَّةِ إِلاَّ فِي تُرْبَتِهَ، وَهُوَ السِّرَاجُ الَّذِي لاَ يَسْتَبِينُ نِظَامُ الحَيَاةِ العَالَمِيَّةِ إِلاَّ عَلَى ضِيَائِهِ وَسَنَائِهِ، حَيْثُ أَصَّلَه عَلَى العَدْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالمُيَاسَرَةِ، وَالإِخَاءِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الإِنْسَانِيَّةِ مَهْمَا اِئْتَلَفُوا وَتَنَوَّعُوا، وَعَنْ أَيِّ جِنْسٍ تَفَرَّعُوا ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾. وأضاف معاليه : إنَّ السّلام من أسماء الله تعالى الحسنى، قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. وإنَّ السّلامَ الذي هو الطُّمأنينةُ والسكينةُ والاستقرارُ- لَمقصودُ الدّيانات الربّانية، وغاية الرّسالات السّماويّة، والشّرائع الإلهية؛ لذلك جاءت جميع رسالات الله المبلّغة عن طريق رسله إلى النّاس بمعاني السّلام والمحبّة بين النّاس، وقد جعل الله تعالى الدّين واحداً وهو الإسلام دين السّلام. قال تعالى { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } ومنه انطلقت رسالةُ الخير والسلام؛ لتعُمَّ الأصقاع والأنام، وقدْ أزجَى لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ، الهِدَايَاتِ الرَّبَّانِيَّةَ، وَالرَّحَمَاتِ المُحَمَّدِيَّةَ، الَّتِي تَهْتِفُ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ وَالأَمْنِ وَالسَّلاَمِ، وَتُرَفْرِفَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ وَالصَّفَاءِ وَالوِئَامِ، وَتَنْبُذُ الظُّلْمَ وَالفَسَادَ، وَالعُنْفَ وَالإِرْهَابَ، مَهْمَا كَانَتْ الدَّوَافِعُ وَالأَسْبَابُ، كما دعا إلى التحلِّي بالوسطيَّة والاعتِدال، ونشرِ المحبَّة والمودَّة، والرحمة والأُخُوَّة، ناهياً عن الغلُوِّ والتشدُّد، والحقدِ والكراهية. وفي معاني السلام قال معاليه: إنّ السلامَ قد وردَ ذكرُه في القرآن الكريم مُتصرِّفًا أربعًا وأربعين مرَّةً، في حين أن لفظَ الحرب لم يرِد في الكتاب العزيز إلا ستَّ مراتٍ، والمسلمون يقولون كلَّ يومٍ وليلة لفظَ السلام عشر مراتٍ؛ وذلك اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – إذا انصرَف من صلاته؛ حيث كان يقول: «أستغفرُ الله. أستغفرُ الله. أستغفرُ الله. اللهم أنت السلامُ، ومنك السلامُ، تبارَكتَ ذا الجلالِ والإكرامِ»؛ رواه مسلم. مضيفا : إنّ السلام ليس مجرد كلمة عابرة، بل هو أساسٌ متينٌ لاستقرار الدول، وركيزةٌ مهمةٌ تستند عليها حياة الشعوب، فبدون السلام لا توجد حياة مستقرة، وبدونه تنعدم أسباب الرخاء، وتتراجع فرص الحياة، من تعليمٍ، وصحة، وتطور، وحياة؛ لأن الحرب وهي نقيضة السلام تدمي القلوب، وتشعل الفتن، وتنهي حياة الأبرياء، وتسبِّب في أن يكون الحزن عاماً وطاماً على الجميع. وأبان معاليه أهمية السلام في هذه الأرض فقال : إنَّ أهمية السلام لا تقتصر على حفظ الشعوب من الحروب، بل حفظها أيضاً من التشتت والهجرة، وتجعلها آمنةً باقيةً في أوطانها، فكم من دولةٍ عانت من الحرب، فتشتَّت أبناؤها، وضاعتْ فرصهم في بلادهم، فخسروها وخسرتهم، وكان بالإمكان أن لا يحصل كل هذا، لو أن الحرب تبدَّلت إلى سلام. وفي السلام كذلك اقتداءٌ لسنّة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم-، الذي أبرم معاهدات سلامٍ مع كفار قريشٍ ومع اليهود، – لإدراكه العميق بأنَّ السلام له مقاصد عظيمة وغايات جليلة، تستقيدها الأمة. كما يعتبر السّلام وسيلة لتحقيق الوئام بين الشّعوب، فعندما يتحقّق السّلام ويسود بين الشّعوب ترى معاني التّوافق والوئام متجليّة بصورةٍ رائعة بين الشّعوب مهما اختلف عرقها وأصولها، فتبتعد عنهم روح التّباغض والتّشاحن وتسود بينهم روح الألفة والمحبّة والتّعاون. ويعتبر السّلام أيضاً وسيلةً لإنهاء الخلافات وحلّ النّزاعات بين الدّول والشّعوب، فكثيرًا ما نسمع عن عقد اتفاقيّات سلام بين دول وشعوب توافقت على إنهاء الحرب والخلاف بينها، وإنّ هذه الاتفاقيّات تمهّد السّبيل من أجل توطيد العلاقات بين الشّعوب المتصالحة وتطبيعها، وهذا بلا شكّ ثمرة من ثمار السّلام وفوائده. وأبان معاليه بأن السلام يعدّ بيئة محفّزة للإنتاج وجلب الاستثمارات، فحين يسود السّلام بين الدّول والحكومات فإنّ ذلك يعدّ حافزًا لقدوم الاستثمارات إلى الدّول المتصالحة، ذلك بأنّ بيئة الأمان والاستقرار تعدّ عامل نجاح للاستثمارات المختلفة، بينما تشكّل النّزاعات والحروب عاملاً منفِّراً لها، لذلك فإنَّ الدّول التي تعقد اتفاقيّات سلام وتعاون مع غيرها تتمتّع بالتّقدم الاقتصادي وزيادة دخلها القومي، بينما الدّول التي تشهد حروبًا ونزاعات تكون من أفقر الدّول وأكثرها ديوناً. وفي ختام كلمته توجه معاليه إلى العلماء ورجال الفكر وعقلاء العالم قائلا: إنّ رسالة السلام في الإسلام لَتناشِد عقلاء العالم، وَرِجَالَ الفِكْرِ وَالقَلَمِ، وَرَادَةَ شُؤُونِ الأُمَمِ: بدَعَوَاتٍ رَاشِدَة، وَتَدَاعِيَاتٍ قَاصِدَة، لِأنْ تُطْوَى ثَقَافَةُ الأَحْقَادِ وَالكَرَاهِيَّةِ، وَالتَّمْيِيزِ العِرْقِيَّةِ، وَتُرْفَعُ رَايَاتُ الإِخَاءِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ؛ لِتَحْقِيقِ وِحْدَةِ الإِخَاءِ الإِنْسَانِيِّ، مُلْتَقَى الأَنْظَارِ، وَمَرْمَى الأَفْكَارِ، فِي الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ، وَالحُرِّيَّةِ وَالمُسَاوَاتِ، الَّتِي يَتَقَاسَمُهَا الخَلْقُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ، فَبِهَا يَتَآلَفُونَ وَيَتَرَاحَمُونَ، وَأَلاَّ يَسْتَذِلَّ الإِنْسَانُ -بِاسْمِ الحَضَارَةِ وَالقُوَّةِ- أَخَاهُ الإِنْسَانَ. وَتِلْكَ هِيَ مَعَالِمُ رِسَالَتِنَا الإِسْلاَمِيَّةِ الخَفَّاقَةِ المُشْرِقَةِ، وَخَصَائِصِهَا الفَيْحَاءِ المُؤنِقَةِ، وَمَا تُرِيدُهُ لِلْعَالَمِ أَكْتَعَ، مِنْ رُشْدٍ وَأَمَانٍ وَسَعَادَةٍ، وَسَلاَمٍ وَهَنَاءٍ وَزِيَادَةٍ. وعلى أهل الإسلام خاصة مسؤولية كبرى في تحقيق السلام بالدعوة لِلْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ، والمحبّة والصفاء والتسامح؛ ويكونوا خير مُمَثِّلِينَ لقيمهم الْإِسْلَامِيَّة، مُظْهِرِينَ لدينهم دَاعِينَ إِلَىٰ مَبَادئِهِ السَّمْحَةِ السَّوِيَّةِ؛ ذلك لأنَّ المسلمين حَمَلَةُ رِسَالَةٍ، وَأَرْبَابُ أَعْلَىٰ هَدَفٍ وَأَشْرَفِ غَايَةٍ، وَأَصْحَابُ شَخْصِيَّةٍ فَذَّةٍ، وَشَرِيعَةٍ خَالِدَةٍ، وَدِينٍ يَرْعَىٰ الْعَقِيدَةَ وَالْقِيَمَ، وَيُعَانِقُ الْحَيَاةَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَالسَّمَاحَةِ وَالسَّلَامِ، وَيَبْحثُ عَمَّا يَكْفُلُ لِلْعَالَمِ الرُّقِيَّ وَالتقدُّمَ وَالْحَضَارَةَ. وابتهل معالي الرئيس العام إلى الله تعالى أن يحلَّ السلام في جميع أنحاء العالم، وأن يجنِّبنا ويلات الحرب والدمار، وأن يؤلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنا، وَيُصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنا، ويهدينا سُبُلَ السَّلَامِ، ويرزقنا المَحَبَّةَ وَالسَّلَامَ، وَالْوَحْدَةَ وَالْوِئَامَ، وأن يحفظ لنا العقيدة والقيادة، والرخاء والأمن والأمان والاستقرار. وقد رفع شكره وتقديره لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لإتاحة هذه الفرصة المباركة في افتتاح مسجد ومدرسة السلام سائلاً المولى العزيز القدير أن يجزيه خير الجزاء ويوفقه لما يحبه ويرضاه. وشكر معاليه الدور الرائد الذي تقدمه سفارة خادم الحرمين الشريفين في المملكة المتحدة وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير المبجل والسفير الموفق محمد بن نواف بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ودعا الله ان يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. الجدير بالذكر أن هذه الزيارة تمت بموافقة كريمة من خادم الحرمين الشريفين وبتنسيق من مكتب الدعوة في بريطانيا وقد حضر الافتتاح عدد من الشخصيات الإسلامية ومدير مكتب الدعوة الأستاذ عبدالعزيز الحربي وممثل السفارة الأستاذ سلطان آل الشيخ والمدير الإقليمي لرابطة العالم الاسلامي بلندن الدكتور أحمد بن محمد مخدوم والأمين العام لجمعية أهل الحديث في برمنجهام فضيلة الشيخ شعيب أحمد مير بوري ومدير وحدة التشريفات بمكتب معالي الرئيس الأستاذ يزيد يوسف الوابل ومسؤول خدمات مكتب معالي الرئيس الأستاذ محمد الدعدي. وفي ختام الحفل أهدى معالي الرئيس العام عددا من الهدايا التذكارية والإصدارات العلمية والتسجيلات الصوتية للقائمين على المسجد ولقد كان في هذه الزياره الأثر البالغ في نفوس المسلمين ببريطانيا الذين لهجوا بالشكر والثناء والتقدير والدعاء لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وأيده – ولقد ودع القائمين على المسجد معاليه بمثل ما استقبلوه بحفاوة وتكريم.