التزم القادة الأوروبيون وكبار المسؤولين في بروكسل الحذر الشديد في التعامل مع الاستفتاء البريطاني المزمع تنظيمه يوم الخميس الذي يحدد مصير انتماء بريطانيا للاتحاد الأوروبي . ولكن وبشكل غير معلن يتحرك المسؤولون في بروكسلوباريس وبرلين تحديدًا للتعامل مع نتائج الاستفتاء البريطاني وأيًا كانت لاستخلاص الدروس ودعم عملية الاندماج الأوروبية والتصدي لأي سعي من الأسواق المالية لاستهداف العملة الأوروبية اليورو . وفي حال تصويت البريطانيين بنعم وتفضيل البقاء داخل الأسرة الأوروبية فإن مفاوضات مريرة وصعبة ستبدأ بين بروكسلولندن لتمكين البريطانيين من عدد من التنازلات والاستثناءات المحددة مثلما جرى الاتفاق بشأنه بين الطرفين يوم 18 مارس الماضي وفي ملفات محددة تتعلق بمكانة سوق لندن المالية والهجرة والعمالة الأجنبية وعدم إثقال بريطانيا بأية توجهات اندماجية وثيقة داخل الاتحاد مستقبلاً ،أي أن لندن ستكتفي بهذا المستوى من العلاقة مع الأوروبيين دون إحداث تقارب أكثر. وتواجه المؤسسات الأوروبية مخاوف محددة حتى في حالة التصويت بنعم في بريطانيا حيث تتجه دول أخرى للمطالبة بالتمتع بنفس الامتيازات وتلوح علنًا بتنظيم استفتاءات مشابهة للاستفتاء البريطاني. وأعلن رئيس حزب الشعب في الدنمارك كريستيان توليزن اليوم أنه سيطالب باستفتاء شعبي في الدنمارك مباشرة بعد التصويت البريطاني للحصول على نفس الامتيازات في قطاعات محددة لصالح بلاده.ويرجح أن تنحو دولاً أخرى نفس المنحى مما سيجعل الاتحاد الأوروبي في مواجهة مطالب متعددة لخفض طموحاته الاندماجية تحديدًا. وأوضح وزير الاقتصاد الألماني فولفغانغ شوبليه اليوم أنه ومهما كانت نتائج الاستفتاء في المملكة المتحدة فإنه يجب التفكير في إعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي ومراجعة آلية بنائه , مضيفًا أن الاتحاد لا يمكنه أن يستمر في العمل بهذا الشكل. ولوح شوبليه بما سماه خيار "أوروبا المتعدد السرعات" أي أن تتفق دول معينة بتكثيف التعاون فيما بينها ضمن نواة صلبة على حسب الدول المترددة. وفي باريس دعت أحزاب اليمين الفرنسي إلى التفكير بعد الاستفتاء في صياغة اتفاقية جديدة للوحدة الأوروبية تعيد هيكلة العلاقات بين الدول. وعلى الصعيد الاقتصادي يحذر الخبراء من تداعيات الاستفتاء البريطاني حتى في حال التصويت بنعم للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي. وقال محللون إن ارتفاع وتيرة المطالب القومية في القارة والنعرات الشعبوية لن تتراجع بعد الاستفتاء البريطاني مما يؤثر بشكل كبير على صلابة اليورو واندماج المنطقة النقدية الأوروبية لأنها مطالب تضرب الاستقرار الاجتماعي وتحد من التنسيق النقدي . وفي حال خروج بريطانيا من الاتحاد فإن الخسائر على الصعيد الاقتصادي ستكون أكثر خطورة بوصف بريطانيا تمثل الاقتصاد الثاني في الاتحاد حاليًا, كما توجد مخاوف من أن دولاً أخرى قد تتبعها. وتتمثل الخشية الأولى في أن يتبع انعدام الاستقرار المؤسسي انعدام استقرار اقتصادي ومالي وردة فعل عنيفة للأسواق المالية خاصة أن الاتحاد المالي الأوروبي والاتحاد الاقتصادي القائمين حاليًا ما يزالان بعيدين كل البعد عن التكامل الفعلي ولا يوجد ربط بين الوحدة الاقتصادية والتكتل السياسي الحقيقي.