في ظل توجه المنشآت التعليمية، إلى إيجاد لغة تواصل بين أقسامها، وتفريعاتها، وإشراك عامليها في اتخاذ القرار، يتوجب على المهتمين طرح قضية "المركزية واللامركزية"؛ للوصول بالمنشأة إلى تجويد العمل، وتحسين أداء موظفيها. ويحسن لنا -قبل إعطاء رأي- أن نعرّف المركزية بشكل مبسط، فالمركزية هي أن تكون سلطة اتخاذ القرارات في قمة البناء التنظيمي، بينما اللامركزية نقل المسؤوليات من السلطة المركزية إلى وحدات تابعة لها، وتفعيل قدرتها على التخطيط، والتنفيذ، واستثمار الموارد المتاحة في ظل رؤية عامة وأهداف متفق عليها، مما ينعكس على تحسين جودة التعليم. وبالنظر إلى كثرة وتشعب الوحدات الإدارية في وزارة التعليم، في المملكة العربية السعودية، وكثرة المنتمين إليها، وتعدد إدارات التعليم لكل منطقة تعليمية وما يتبعها من مدارس، فإن من غير المعقول أن يكون القرار حكرًا على القائد الأعلى أو من ينوب عنه، ولعل الأمر يكون أكثر وضوحًا على الإدارات المدرسية فكل ما يتعلق بالعملية التربوية من أهداف، ووسائل لتحقيق هذه الأهداف وضعت مسبقًا، وبقي التنفيذ على الإدارات المدرسية، لذلك يجب تفعيل اللامركزية باعتبارها مفهومًا شاملًا يحقق سرعة اتخاذ القرار، وتوسيع مبدأ القيادة التشاركية التي من شأنها احتواء الموظفين، ودمجهم نفسيًا، وفكريًا في اتخاذ القرار، مما يؤدي إلى تعزيز انتمائهم إلى منشآتهم، وينعكس إيجابيًا على جودة، وفعالية تلك القرارات، إذ إن هذه القرارات تصدر من منطلق محلي واقعي وفق أهداف البيئة، ومتطلبات المجتمع. إن تفعيل اللامركزية يساعد في ظهور قيادات إدارية، وتعليمية جديدة قادرة على الإبداع، والتطور من خلال الحرية التي يضعها النظام المركزي، ووسيلة لتدريب مديري المدارس على عملية صنع، واتخاذ القرارات المدرسية للحصول على التنوع، والتجديد في مخرجات التعليم من مدرسة إلى مدرسة أخرى، بالتالي فإن إعطاء أدوار قيادية للمستويات التنظيمية المختلفة يساعد في تحقيق الأهداف التعليمية، وتقليص المهام التكنيكية، والتنفيذية للجهاز المركزي، وجعله متفرغًا للمهام الاستراتيجية المتمثلة في تجويد، وتمويل التعليم، وتطويره. ولا شك أن الأمر يبدو مغريًا من حيث إطاره النظري، إلا أنه تطبيقيًا قد يواجه بسؤال وهو: ما مدى قدرة العاملين في المؤسسة على اتخاذ القرار بمفردهم عن القائد الأعلى؟ وهل يطمئن الرئيس الأعلى إلى إطلاق أيديهم بعيدًا عنه لينفذوا ما يرونه مناسبًا؟ ولعل إجابة السؤال ليست سهلة في ظل عدم وجود ما يثبت قدرة القيادات الوسطى في الوزارة -وأعني بهم مديري التعليم ومديري المدارس- على تسلم زمام الأمر دون الرجوع للقائد الأعلى للوزارة، ما لم تكون هناك طريقة مناسبة لقياس تلك القرارات، كما أن عملية التفويض تتطلب أمرين مهمين؛ وهما أن تكون هناك سياسات، وإجراءات واضحة تسهل عملية اتخاذ قرارات موجهة، ومقننة تحيد الاجتهادات الشخصية، وتجعلها في حدها الأدنى، إضافةً إلى التأكد من وجود أشخاص (متخذي القرارات) على مستوى مناسب من التأهيل، والخبرة تمكنهم من اتخاذ القرارات المناسبة. إن اللامركزية طريق محتوم لمنشأة يتجاوز عدد موظفيها 500 ألف موظفٍ وموظفةٍ، إضافة إلى أن الوزارة معنية بجانب إنساني وتحوي بين جنباتها طلابًا، ومعلمين، ومعلمات، ومقدرات مادية تقتضي أهمية إتاحة الفرص؛ للسرعة في اتخاذ القرار، تجاه بعض القضايا المستعجلة، والبعد عن بيروقراطية العمل، وروتينه. كما ينبغي أن تنتقل عملية اتخاذ القرار بنحو تشاركي، في كل مستويات العملية التربوية، إلى أن تصل إلى المدرسة، إذ إن الفصل الدراسي خير مكان لبذر مفهوم المشاركة في اتخاذ القرار، فالمعلم والمعلمة يستطيعان زرع فكرة المشاركة في اتخاذ القرار في الطلاب؛ ليكونوا قادرين وواثقين من أنفسهم، ويصبحوا فيما بعد نواة للقيادات المستقبلية. مها المنصور