من المعلوم في الشريعة الإسلامية حفظ "الضرورات الخمس" ومنها: حفظ النفس، ولقد خصت الشريعة الإسلامية النفس التي حرم الله بأهمية عظيمة وعناية كبيرة، قال تعالى: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا"، وفي الحديث الشريف: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري. ونفس الإنسان مهما كان دينه أو مذهبه أو لونه فهي محرمة إلا بحقها، قال تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً". وفي الحديث الشريف: عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" رواه البخاري. ولعظم الدماء المعصومة، وخطر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق كان أول ما يقضى يوم القيامة الدماء. عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء". متفق عليه. ودم المسلم حرمته عظيمة، ويكفي ما ورد من ترهيب مخيف في سفك دم المسلم بغير حق، ولا شك أن حرمة دم المسلم مقدمة على حرمة الكعبة المشرفة، بل حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من زوال الدنيا فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" رواه الترمذي وهو حديث صحيح. قال تعالى : "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً". وتشتد حرمة الجرم، وتزيد بشاعة الفعل حين يكون القتل غدراً وغيلة، والمقصود بقتل "الغيلة" أن يكون القاتل خدع المقتول وغرر به واستدرجه فكان المقتول واثقاً بالقاتل آمناً له. والقاتل غيلة يقتل حداً لا قصاصاً، ولا يقبل فيه العفو وهو مقدم على الحق الخاص. عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان" . رواه مسلم. إن التهاون في الدماء المعصومة أمرٌ خطير جداً، ومن استقرأ التاريخ ووقف على حال ابني آدم حين قتل أحدهما أخاه وما حدث فيها وما ذكره القرآن في هذه القصة من الزجر والتحريج في قضية الدم المعصوم عرف خطر هذا الأمر وما يحصل فيه من إفساد لحياة الآدميين ومعاشهم. ولكن الخطر في هذا الباب أكبر، والشر في هذا الجانب أعظم. ولقد جرى لدى الخوارج عقيدة تكفير الخصوم باستباحة دمائهم وأعراضهم وآمالهم؛ قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –: "والخوارج أول ما كفروا مخالفيهم استباحوا دماءهم.. فتح الباري(ج12/ 301)". ولهذا نجد خوارج العصر الحديث ممن تعددت مسمياتهم وكثر فسادهم من جماعات ضالة سيست الدين وخرجت من رحم أم الجماعات الإرهابية المسماة "بالإخوان المسلمين" تجدهم يتقربون إلى الله تعالى بقتل المسلم والعمل على تشريع هذا العمل الفاسد. ذكر البخاري في التاريخ الكبير أن الصحابي الجليل عبادة بن قرط – رضي الله عنه – كان راجعاً من غزو في سبيل الله إلى بلده بالأحواز، وأراد الصلاة فسمع صوت أذان فذهب يصلي، فإذا القوم من الخوارج ، فلما رأوه قالوا له: مرحباً عدو الله؛ والله لنقتلنك، فقال: أنا صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ألا ترضون مني ما رضيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مني ؟؟!؛ قالوا وما رضي؟ قال: جئته كافراً فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقبل إسلامي. قال الخوارج: والله ما نقبل إسلامك؛ أنت كافر!! ثم قتلوه – رضي الله عنه. فما أشبه الليلة بالبارحة!! إن التهاون في دماء الناس لم يمر على الصحابة دون أن يسطرون فيه أروع ما يكتب وينقل؛ قال عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – قال: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله" رواه البخاري. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً" رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب. ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك" رواه الترمذي. إن تعدد الكلم وتكرار الحروف في "حرمة الدماء المعصومة" لا يغير شيئاً، ولا يفيد، ولكن الحل الحقيقي هو في تعجيل تطبيق حكم الله تعالى بالحد الشرعي الذي جاء في قوله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم". لأن تطبيق الحدود الشرعية سلامة من الشرور، وردع لمخاطر التمادي في الباطل. وَمِمَّا يحارب الأفكار المنحرفة، والمناهج المتطرفة، نشر التوعية بالأمن الفكري، وأهمية الرجوع إلى ما أمر الله الرجوع إليه ورسوله – صلى الله عليه وسلم. وذلك في المنابر والإعلام، وترتكز المسؤولية على أمانة هيئة كبار العلماء، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ومنابر الحرمين الشريفين، لما لهم من صدى واسع في أرجاء المعمورة. خاتمة: الخطر محدق، وخطر الخوارج الإرهابيين أعداء الدين الإسلامي المؤصل لمعاني الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي كبير. ودعاة الفتنة متمادون في الباطل مالم يكن من سيف الحزم ضرب على رؤوس الفتنة. عبدالعزيز الموسى .. [email protected]_aziz_almosa عضو الإدارة العامة للتوجية والإرشاد بالمسجد الحرام في مكةالمكرمة -سابقاً-