كانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والوفد المرافق له من كبار المسؤولين والوزراء الأتراك إلى الرياض ، ولقاء القمة الذي انعقد بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، والرئيس التركي ، الذي تم علي إثره ؛ إعلان قيام مجلس التعاون الاستراتيجي بين المملكة وتركيا ، مناسبة من أهم المناسبات السياسية في خواتيم هذا العام يمثل البلدان ثقلا كبيرا لبقية العالم الاسلامي ؛ فالمملكة بمكانتها الإسلامية الرمزية. وباحتضانها للحرمين الشريفين ومهبط الوحي ، وتركيا بمكانتها المركزية في منطقة الشرق الأوسط و تشكله تلك المكانة من رمزية سياسية للمسلمين جميعا عبر الخلاقة العثمانية تاريخا ؛ كل ذلك يجعل من العمل الاستراتيجي بين البلدين قيمة كبيرة تصب في مصالح العديد من البلدان العربية والإسلامية. لد شهد لقاء القمة وعلى هامشه ، لقاءات بين كبار المسؤولين في كل من البلدين ، الأمر الذي يعكس أهمية هذه القمة في العديد من المجالات الداخلية والخارجية. أمام كل من تركيا والمملكة العربية السعودية فرص استراتيجية لتعميق العلاقات البينية . فما تتوفر عليه تركيا من جوانب استثمارية ، واستقرار سياسي ، ووجهة سياحية وتاريخية. وما تتوفر عليه المملكة العربية السعودية من إمكانات اقتصادية وقدرات مالية لتفعيل الكثير من المشاريع الاستثمارية والتعاون المشترك في العديد من القطاعات الحكومية والتجارية بين البلدين يمثل إضافة حقيقية لتمتين العلاقات على المستوى البيني والداخلي ، كما يعكس مناخا لتبادل الخبرات في العديد من مجالات التعاون المشترك . أن الطبيعة الاستراتيجية للمجلس الجديد ستجعل من التخطيط في مشروعاته وعلاقاته ذات طابع طويل المدى. إلى جانب ذلك سيحقق مجلس التعاون الاستراتيجي بين تركيا والمملكة امكانية كبيرة لتجسيد التطابق في المواقف السياسية التي يحتاجها البلدان حيال الكثير من ملفات منطقة الشرق الأوسط ، لاسيما الوضع في سوريا. إن تركيا والمملكة خطتا هذه الخطوة المهمة في تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي ليكون في قائمة أهدافه : التنسيق القوي في المواقف المتطابقة حيال الحل في سوريا وتعزيز الدفع باتجاه هذا الحل في مختلف المفاوضات والمباحثات التي سيشهدها العام القادم حول مستقبل سوريا. تدرك كل من تركيا والمملكة أن رهان روسيا وايران الاستراتيجي في سوريا يحتاج إلى حلف مواز لهما ، ليشكل مركز ضغط قوي ضد مشروع كل من روسيا وإيران في سوريا والمنطقة . لقد كان غياب الدور الأمريكي والأداء الضعيف لسياسات الولاياتالمتحدة في الملف السوري هو أحد أهم مقتضيات تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي ، كما أن مصلحة كل من البلدين (تركيا والمملكة) في سوريا هي الأكثر تطابقا مع تطلعات الشعب السوري وقوى المعارضة المعتدلة. فتركيا ، نسبة لجوارها مع سوريا تظل هي الأكثر ادراكا لتقدير الوضع الأمثل في الملف السوري لأن وحدة سوريا واستقرارها هو مصلحة تركية في الوقت ذاته ، كما أن المملكة العربية السعودية ، كدولة عربية شقيقة تربطها علاقات عزيزة مع الشعب السوري. حيث أصبحت المملكة اليوم الدولة العربية شبه الوحيدة التي يقع عليها عبْ الاضطلاع بالدفاع عن حقوق الشعب السوري ومكاسب ثورته ، وحقه في الحرية والاستقرار بعيدا عن النظام الأسدي الذي ترفض السعودية أي نقاش حول بقائه في الحكم ضمن أي تسوية سياسية قادمة . بعد أن قتل أكثر من ثلاثمائة الف مواطن سوري ، وهجر أكثر 4 ملايين خارج سوريا ، ودمر وخرب وأحرق المدن السورية وموقف المملكة النبيل هذا هو الموقف النقيض لروسيا التي تريد إبقاء الأسد بعد كل هذه المذابح وجرائم الحرب التي ارتكبها . لكل تلك الحيثيات أصبحت الحاجة إلى قيام مجلس تعاون استراتيجي بين تركيا والمملكة ، كالذي أُعلن عنه يوم الثلاثاء الماضي من أهم استحقاقات المرحلة وعلى رأس مقتضيات المواجهة السياسية التي يفرضها تحدى قوى اقليمية ودولية لا تريد خيرا لا للشعب السوري ولا لمستقبل المنطقة العربية.