يوم بعد آخر يثبت سمو ولي ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان، أنه لم يأتِ إلى موقعه من فراغ، فمنذ توليه المسؤولية قبل أشهر قليلة، وهو يبذل قصارى جهده لأن تسابِقَ المملكةُ الزمن، وتكونَ في مصافِ الدول الكبرى المتقدمة اقتصاديًّا، ومن خلال ترؤسِهِ مجلسَ الشؤون الاقتصادية والتنمية، نجح خلال فترة وجيزة وبرؤيته الصائبة (الموروثة أباً عن جد) أن يقدم أكثر من مشروع اقتصادي، ضمن برنامج شامل كان يعد له منذ فترة أطلق عليه (برنامج التحول التنموي)، أو كما سماه سموه خلال لقائه، مساء الأربعاء، بعدد من الوزراء وشريحة ممثلة لجميع فئات المجتمع السعودي (برنامج 2020)، وهو برنامج اقتصادي مكثَّف يمهِّد الطريق لإطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية، ومضاعفة قدرات الاقتصاد الوطني، تجاريًّا وصناعيًّا وماليًّا. وفي اجتماعه بالمشايخ ورجال الأعمال والإعلاميين والاقتصاديين والمفكرين والمثقفين والفنانين، شرح سموه خطة البرنامج وأهدافه واستمع لمقترحات المختصين والحضور، وقد بدا الأمير محمد لكل من شارك في ورشة عمل تحليل البرنامج أنه يعي جيدًا متطلبات المرحلة، وأنه وسمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف عازمان على إحداث نقلة نوعية للمملكة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين الأمير سلمان بن عبد العزيز لاستكمال بناء الإنسان السعودي والنهوض بالمجتمع اقتصاديًّا ومواجهة التحديات وتجاوز المحطات والعقبات الصعبة التي تفرضها المتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. والجديد في البرنامج أنه يحمل رؤية مستقبلية تستند إلى الواقع، بعيدًا عن الأحلام والأمنيات، بمعنى أنه ينطلق من خطة واضحة المعالم، مدروسة جيدًا، ومبرمجة ومحددة زمنيًّا، لا تخلو ولأول مرة في تاريخ المملكة من طريقة فعالة وسريعة لمحاسبة الوزراء وكبار المسؤولين على أدائهم.. ماذا قدموا وإلى أي مدى نجحوا في تنفيذ المشروعات والمهام الموكلة إليهم. وفي أي المجالات أخفقوا؟ هذه الشفافية التي يُرسِي قواعدها ويؤسس لتعميمها سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، تعني أن هناك نقطة تحول فعلية في السياسات الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، تتطلب من الجميع أن يكونوا على مستوى التحدي أو كما قال الأمير محمد في لقاء (الصراحة والشفافية والمسؤولية): "إننا أمام تحدٍّ كبير، ولكننا قادرون على التحول وتحقيق طموحاتنا بالمستوى الذي تستحقه بلاد الحرمين الشريفين، ويحقق رفاهَ المواطن في هذه البلاد الكريمة، وصولاً إلى بناء وطنٍ قوي". والجميل في البرنامج أن الخطة المقترحة لتنفيذه جاءت شاملة ومجدولة ومحددة بتوقيت زمني لجميع الوزارات، وهو ما يعني الإصرار على التحول للأفضل، وزيادة الإنتاج وتحسين الأداء وتقييمه أولاً بأول، وينطلق البرنامج بعدة محاور رئيسية وأساسية، من أهمها: توجيه الاستثمار العام نحو الموارد البشرية وتنميتها مع تطوير الخدمات الحكومية والإسراع في تنفيذ المشروعات الوطنية الكبرى وتطوير البيئة القانونية وتنقيتها من كل ما يقف عائقًا أمام جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز استقلالية بعض المؤسسات ودعم وتشجيع القطاع الخاص، كما يشتمل البرنامج على خطة للحد من الفساد المالي والإداري في القطاعين العام والخاص. ومن مميزات البرامج أيضًا إيجاد فرص عمل جديدة للشباب من الجنسين للقضاء على البطالة، وإيجاد بدائل لدعم الاقتصاد الوطني تعتمد على القيمة المضافة للصناعات الوطنية، وصناعة السياحة، وخصخصة الأجهزة الحكومية، ودعم المنشآت الصغيرة، ولم ينسَ البرنامج المرأة السعودية والرغبة في النهوض بها ومساندتها في شتى المجالات، كما يتضمن البرنامج خطة شاملة لزيادة الموارد عبر فرض بعض الرسوم والضرائب على سلع معينة لا تؤثر في ميزانية ذوي الدخل المحدود وغيرها من التوجهات التي ستحقق – وكما أكد محمد بن سلمان – نقلة نوعية للمملكة. خلاصة القول إن برنامج التحول الوطني يحمل في جوانب خططه وأهدافه ملامح إصرار القيادة السعودية الشابة على تجاوز كل الخطط التقليدية لولوج عصر جديد من الاعتماد على الذات وضبط الإنفاق ومراقبة الأداء ومحاسبة كل مسؤول يثبت تقصيره في خدمة المواطن، الذي هو الهدف الأساسي لكل مشروعات التنمية، والمطلوبُ الآنَ من كل شرائح المجتمع أن يكونوا على قدر هذا المستوى من التخطيط والشفافية، لأنه من دون المشاركة المجتمعية لن تنجح أي خطة أو برنامج، أو كما قال ولي ولي العهد: "هذا هو طموحنا.. فشاركونا في تحقيقه".