بيَّنت الأزمة السورية على مدار تحولاتها وتطوراتها تقلباً كبيراً في المواقف والآراء والاستراتيجيات الأمريكية، وتحديداً السياسية منها، أظهر كم أن الولاياتالمتحدة طرف "كاذب" فعلاً وغير جاد في المشاركة بحل الأزمة السورية.. المشكلة ليست وليدة اللحظة بسبب تصريحات كيري حول ضرورة توحيد جيش النظام مع المعارضة لمحاربة داعش دون رحيل الأسد، بالرغم من الموقف الأمريكي المعلن مسبقاً حول النظام السوري ورئيسه الأسد، ولكنها ناتجة عن التقلبات المتتالية ووفقاً لتسلسل الأحداث في الموقف الأمريكي سواءً على لسان الرئيس أوباما أو وزير الخارجية جون كيري. الانقلاب الأكبر بالموضوع يكمن في جوهر الاقتراح الأمريكي الجديد، وهو أنه ينسجم مع الموقف الروسي، وما تدعو إليه روسيا، من ضرورة توجيه المعارضة سلاحها نحو داعش، وإعلانها الاستعداد لدعمها في حال قامت بذلك، في نفس الوقت الذي تلتزم فيه بهدفها الاستراتيجي المعلن من التواجد على الأراضي السورية لحماية الرئيس بشار الأسد ونظامه من السقوط المحتمل. بل أسبوعين من الآن جاء بيان اجتماع فيينا ممهداً لخطوة كهذه بحيث شدد على ضرورة توحيد الجهود لمحاربة داعش وتكوين حكومة ائتلاف وطني من المعارضة والنظام دون التطرق نهائياً للجزء الأهم من الاجتماع وهو مصير الأسد، ما يصنع شكوكاً حول النوايا الروسية – الأمريكية المستقبلية. وقبل أيام من مؤتمر المعارضة السورية بالرياض يظهر هذا المقترح الأمريكي منسجماً مع الرغبة الروسية، وكأنه يحرج المعارضة المجتمعة في الرياض بوضعها أمام الأمر الواقع بحيث يكون انتقالها بعد المؤتمر للتعاون مع النظام لمحاربة داعش قبل استكمال مفاوضات الحل السياسي التي يطالبون بها بناءً على مخرجات جنيف1 وقبل التفاهم على المرحلة الانتقالية التي نص عليها بيان فيينا، وهو مقترح -المقترح الأمريكي- إن رفضته المعارضة السورية قد يجرها إلى عواقب صعبة، أمام الروس والأمريكان ويضعها بموقف الرافض للجهود الدولية لمحاربة الإرهاب وحل الأزمة السورية. إذاً ماذا يريد كيري وراء تصريحاته بهذا المقترح ؟! هل أراد أن يحرج المعارضة السورية ومن يدعمها ؟ أم أراد أن يمنح الروس موقفاً شرعياً وقوياً أمام المعارضة التي سترفض أي عمل سياسي أو عسكري مع نظام الأسد ويشرع لروسيا التصعيد ضدهم ؟ أم هل يقود مناورة كبرى لقطع الطريق أمام أي عمل عربي أو اقليمي محتمل لإسقاط الأسد، بالتزامن مع دخول فرنسا وبريطانيا وألمانيا على خط العمل العسكري ضمن تحالف واشنطن ضد داعش، ويحصر الأزمة السورية بملف محاربة الإرهاب ويحيّد مصير الأسد ؟. كل هذه التساؤلات إذا قادت لإجابة فلن تخلو من قاسم مشترك بينها، وهو أن الإدارة الأمريكية طرف كاذب، ولا يمكن الوثوق بالتعاون معه، لحل الأزمة السورية.. وعلى الأطراف المقابلة أن تسارع جهودها لإيجاد مشروع يقطع الطريق على نتائج المقترح الأمريكي الجديد. كاتب سعودي @ghazico13