قبل أنْ أبدأ حديثي أرغبُ باستحضارِ قوله تعالى : "ارْجِعْ إِلَيْهِمْ " نصّ الخطاب الذي وجههُ سليمان – عليه السلام – لرسُولِ بلقيس ملكةِ سبأ حين حمل له الهدية الثمينة التي راوغت بها بلقيس عسى أن يعودَ سليمان – عليه السلام – عن نيته !! ما رأيكم لو استبدلنا "ارجعْ" بلفظ آخر مثل " عُدْ " ؟ هل تستشعرون تراجع القوة والصرامة ؟ واضحٌ لمن تدبر أنَّ " ارجع " لتأثير مقاطعها ( ار / جع ) وحروفها ( ا ، ر ، ج ، ع ) تزخر بمشاعر تناسب موقف سليمان – عليه السلام – الثابت ، وقدرته الهائلة ، وثقته المطلقة بأنه الطرف الأقوى بهذه المواجهة ، وهذا ما يخفتُ كثيرًا مع لفظ " عُد " !! فحين تركز على الشعور خلف اللغة ستجد أنَّك تختار ما يتناسب وموقفك فتتجنب الأخطاء التعبيرية !! ومن أكبر الأخطاء بل من الكوارث بوقتنا الحالي مصطلح " داعش " !! والذي يمثل الوصف الاعتباري المُستخدم إعلاميًا لفئة نُبَادِلها العِداء ونتفق على أنَّ المنتمين لها هم " خوارج " العصر !! وبتجرد ؛ صدمة هي العقليات الإعلامية التي تدير الحملة ضد الجماعات التكفيرية !! فكيف تنزعُ لبَدْعِ مصطلحٍ جديد بشكله ومضمونه يمثِّل الاختصار الدال على العدو ؟! وهي بالأساس تملك المصطلح القديم " خوارج " وهو مصطلح مشاعر الكلّ معه واضحة ومحددة !! فالطبيعي أنَّ كلَّ مصطلحٍ يُنْشَأ يعني أنَّ هناك شعورًا جديدًا يتشكل ، وتحديد الموقف تجاه المقصود لا يكون إلا بعد اكتمال المشاعر ، وكلُّ هذا يعني أن عامة الناس يحتاجون لزمنٍ أكبر حتى يتحدد موقفهم المضاد ، بل إنَّ بعضهم قد يتأثر بشكلِ المصطلح الجديد وتنعكس الآية !! سألتُ أحد الأصدقاء : ما شعورك تجاه الخوارج ؟ فكانت إجابته : شعور اشمئزاز !! وهذا بالضبط ما خسرناه حين أهملنا المصطلح " خوارج " وركزنا على المصطلح الجديد " داعش " !! بل الخسارة تتجاوز ذلك إلى إغراء مَنْ لم يكتمل توازنه العقلي ونموه الفكري بالدعم أو الانتماء !! كذلك من الخسارات الإعلامية لنا المعالجات الدرامية كما هي في سيلفي – على سبيل التمثيل – فبغض النظر عن وصف المشكلة بدون اقتراح حلول !! فحلقة " بيضة الشيطان " قدَّمت إغراء آخر للفئات التي يستهدفها الخوارج من خلال شخصيتين " الابن الدبشة " – الذي أقرَّ والدهُ أنه طوال عمره غبي – حين تم الدفع به للواجهة وتقديمه بتأثير واضح ، والفتى المنحرف الذي أيقن مِن خسارته في مجتمعه فكان الانتماء للخوارج هو سبيله الوحيد لينعم بمكانة مرموقة وحماية مطلقة مع الحفاظ على سلوكياته المنحرفة كما عُبِّرَ عنها في جمل الحوار ؛ " فلة .. دين ودنيا ، وإذا ولد عادي " .. صدقوني ، خسارة الحرب تبدأ من معركة اللغة وما تعبِّر عنه من مشاعر وأفكار !! لذلك من الوعي " الرجوع " وإعادة ترتيب الأوراق بشكل يضمن عدم مساهمتنا بدعمِ الأعداء بهذا المستوى من الغباء ، فمصطلح " الخوارج " يحقق الهدف المنشود !! رابط الخبر بصحيفة الوئام: "داعش" خسارتنا الأولى!!