يأتي هذا المقال العلمي بعد حضوري ندوة (قياس نواتج التعلم في برامج التعليم العالي)، والتي أقيمت على مدى ثلاثة أيام حضرت يومها الأول في قاعة الأمير سلمان في وزارة التعليم العالي، والتي كانت في يوم الثلاثاء 27/12/1435ه الموافق 21/10/2014م وكان هدفها الحديث والتركيز على المشروع الوطني لقياس مخرجات التعليم العالي والذي تم الاتفاق عليه بين وزارة التعليم العالي والمركز الوطني للقياس والتقويم من أجل تنفيذه خلال سنتين، وقد انتهت المرحلة الأولى من المشروع إلى إعداد نواتج التعلم والاختبارات لسبع تخصصات هندسية، وفي المرحلة الثانية من المشروع سيتم قياس نواتج تعلم 21 تخصص جامعي. وقبل الدخول في عمق المقال، اسمحوا لي أن أعطيكم فكرة عن المشروع وبشكل مختصر ومفيد، فالمشروع يهدف إلى بناء معايير تفصيلية لمخرجات التعليم العالي، والمساهمة في تطوير البرامج التعليمية في الجامعات السعودية، وتوفير الأدوات والاختبارات اللازمة لقياس مخرجات التعليم العالي، وتوفير مؤشرات دقيقة عن مخرجات التعليم العالي. ومنطلقات المقال أهداف المشروع الوطني، والورشة التي أقيمت وما تم تقديمه من أوراق عمل ومداخلات حول المشروع، وعليه أقول: إن الهدف من قياس نواتج التعلم ليس القياس فقط، بل من أجل التأكد من أن نواتج التعلم تتوافق مع متطلبات التنمية والمجتمع واحتياجات سوق العمل، وهذا يعني أن يستند بناء المعايير والمؤشرات الخاصة بقياس نواتج التعلم إلى عدد من المحددات أهمها أن تشتق من متطلبات التنمية والمجتمع واحتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية، وعملية البناء بهذه الطريقة تتطلب عددًا من العمليات والجهود والوقت والمتخصصين اللازمة والضرورية لها؛ لأنه من المفترض أن الجامعات تعدّ لسوق العمل وللتكيّف مع الحياة، ولتلبية متطلبات التنمية والمجتمع من التخصصات المؤهلة، فبالتالي لا بد من تحقق الكفاءة الخارجية الكمية والنوعية التي تحقق ذلك. - المعايير والمؤشرات في حالة تغيير سريع، وذلك نتيجة للتغيير السريع في الحياة وأسواق العمل، وخطط التنمية، وهذا يستدعي أن يتم تحديث المعايير والمؤشرات باستمرار، حتى تحقق ما بنيت لأجله. - إن نواتج التعلم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجميع مكونات البرنامج الأكاديمي (أستاذ، مقرر، أدوات، وسائل، قاعات، طالب، تقييم، …الخ)، فإذا كان هناك خلل في نواتج التعلم وهذا الواضح قبل القياس، فهذا يعني أن هناك خللا كبيرًا في تلك البرامج ومكوناتها، لا يمكن من خلال قياس نواتج التعلم أن يشخص مكمن الخلل، فقد يكون الخلل في خطط البرامج، في استراتيجيات التدريس، أو بالأستاذ الجامعي، أو ….الخ، فالأمر يحتاج إلى تقييم البرامج ثم تقويمها ثم تطويرها وفي ضوء احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية والمجتمع، وسينعكس ذلك آليًّا على أن تتوافق نواتج التعلم مع تلك الاحتياجات والمتطلبات. - إن الاكتفاء بقياس نواتج التعلم لا يكفي للتعديل والتطوير في البرامج الأكاديمية والتعليمية، فالأمر يحتاج إلى دراسة البرامج ثم تطويرها. - يلاحظ أن معظم البرامج التي تقدم في الجامعات هي برامج أكاديمية وليست برامج مهنية، إضافة إلى أن جل الأساتذة بتلك الجامعات هم من خريجي برامج الدكتوراه (PHD) وليسوا من خريجي برامج الدكتوراه (EDD)، مع أن سوق العمل تحتاج إلى خريجي برامج مهنية. - ذكر أحد منسوبي المركز الوطني للقياس والتقويم أن هناك فرقًا بين قياس نواتج التعلم وبين القياس والاختبارات المرتبطة بالبرامج، وخصوصًا ما يتعلق بالمقررات، فأقول صحيح هناك فرق في المقاييس وطريقة بنائها، ولكن هناك ارتباطًا وثيقًا جداً بين نواتج التعلم وكفاءة المدخلات وفاعلية العمليات للبرامج، وفي حالة وجود أي خلل في المدخلات أو العمليات أو كليهما سيؤدي إلى أن تكون نواتج التعلم دون المستوى المطلوب أو أقل. - تحدث أحد المشاركين عن معايير ومؤشرات الاعتماد الأكاديمي الصادرة عن الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، وذكر خلال عرضه أن الهيئة قامت بالتبسيط للمعايير والإجراءات حتى يتسنى للمؤسسات والبرامج الجامعية من الحصول على الاعتماد، وعليه أقول مجبر أخاك لا بطل من تبسيط الإجراءات والمؤشرات والسبب يعود إلى أن الهيئة عندما صممت تلك المعايير والمؤشرات أخذت الصورة المثالية العليا للمعايير العالمية والدولية وكيفتها مع الواقع، وتناست التباين والاختلاف في البيئات والثقافات والجامعات والإنجازات والعمليات بين الجامعات المحلية والعالمية، مما أوقع الهيئة في حرج، وأن المسافة بين واقع الجامعات وتحقيق تلك المعايير قد يمتد إلى عشرات السنين، وقد يتحقق، وربما لا. - أجد أن الجودة والاعتماد الأكاديمي المؤسسي والبرامجي تحول من وسيلة لتحسين وتطوير نواتج التعلم وتطوير البرامج والمؤسسات التعليمية إلى غاية في حد ذاتها، وتم تسخير الجهود والأموال حول الاعتماد الأكاديمي ومؤشراته وورش العمل، ولم تسخر إلى كيف يمكن للبرامج والمؤسسات أن تحقق الاعتماد، ماذا يمكن تقديمه لها حتى تطور من برامجها وأقسامها، وسيأتي الاعتماد تباعاً لذلك التطوير والتحسين. - ما علاقة علم النفس بالجودة والاعتماد الأكاديمي؟! نعلم أن علماء النفس متخصصون في الاختبارات والمقاييس الشخصية مثل (اختبارات الذكاء، والقلق، والاكتئاب،…الخ)، بينما الجودة ومقاييسها في المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة هي مرتبطة بتخصص الإدارة بجميع فروعها، فالإدارة العامة للمؤسسات العامة، وإدارة الأعمال للشركات والقطاع الخاص، والإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية، والجودة نشأت في بيئة الأعمال وإدارتها، فما علاقتها بعلم النفس؟! د.خالد بن عواض الثبيتي إدارة وتخطيط تربوي وكيل عمادة الموهبة والإبداع بجامعة الإمام رابط الخبر بصحيفة الوئام: قياس نواتج التعلم