إنه وطن ليس عاديا ذلك الذي عاش فيه السعوديون 84 عاما كانت بعد قدرة الله سلاما كاملة، دخلت فيها البلاد منعطفات زلقة وحروبا باردة وغير مباشرة وكذلك حروبا عسكرية للدفاع عن حدودها، وللدفاع عن الأمن الإقليمي والقومي.. ولم تفسح حكومة هذه البلاد مجالا لأن تتعرض أرضها لحرب أو اعتداء خارجي، وكان للسياسة الشجاعة الحكيمة الفضل الأكبر بعد الله في ذلك حيث وضعت البلاد في عمق الصراعات الإقليمية لحلها كما هو دور السعودية وكذا الاستفادة منها.. ولكن بلا خسائر استراتيجية تذكر.. لست في مقام «تطبيل» كما أعرف ما سيتبع هذا المقال من البعض، ولكني في مجال إحقاق الحقيقة. ما هو الوطن؟ هل هو الأرض؟ أم الجنسية؟ أم الانتماء؟ إنه تلك الأرض التي انتمينا إليها بعد أن وضعتنا أمهاتنا عليها، وحملنا جنسيتها واستنشقنا هواءها ولفحتنا سمومها وشربنا ماءها واستقينا خيراتها.. حتى الأوجاع ربما عشناها على هذه الأرض.. هل هو كل شيء يحضن الحياة؟ نعم.. هذا الوطن، فيه تعتبر قضية فلسطين هي القضية الأولى للحكومة والشعب خارجيا.. حتى الحروب الدامية خضناها لأجل هذه القضية الإسلامية العروبية، وقفنا لكل العرب عضدا.. ساعدناهم، ماليا، اقتصاديا، سياسيا، عسكريا، اجتماعيا. أرسلنا جيوشنا ورهنا نفطنا.. حرب فلسطين 48.. حرب 67.. حرب أكتوبر 73.. الحرب العراقية – الإيرانية.. الغزو العراقي للكويت.. معركة عاصفة الصحراء.. أزمة البحرين.. أخيرا وليس آخرا «الربيع العربي».. وأزمات سياسية وإنسانية في البلاد الإسلامية متوالية.. لكل الدول الإسلامية والعربية استنزفنا اقتصادنا، وأرهقنا جيوشنا، ورهنا نفطنا، وفتحنا حدودنا ليس إلا لأن هذه الأرض هي «السعودية».. إنه التاريخ والتاريخ فقط من يمكنه أن يسجل الأسطر الوافية عن مسيرة شجاعة وحكيمة وفذة لوطن أسسه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه فكان مما قال: (لقد كنت لا شيء، وأصبحت اليوم أحكم بلادا شاسعة يحدها شمالا العراق وبر الشام، وجنوبا اليمن، وغربا البحر الأحمر، وشرقا الخليج.. لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن لدي من العتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن التجدد غير التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله فنصرني الله نصرا عزيزا» وتبعه أبناؤه على هذه السياسة الشجاعة فقال الملك فيصل: «إني أتمنى ألا أبقى على الأرض لحظة واحدة إذا لم يكتب لنا تحرير فلسطين» وقال الملك فهد إبان الغزو العراقي للكويت: «نحن والكويت واحد، إما نذهب نحن والكويت أو نبقى نحن والكويت» وقال الملك عبد الله في خطاب تاريخي: «لا مكان اليوم للإرهاب والفوضى الخلاقة».. عندما نستشعر الواقع كسعوديين، فإن بلادنا تسير على شرك محفوف بالمخاطر الغامضة.. حروب كثيرة وفي أماكن كثيرة على الإرهاب، وحروب على المصالح، وقبلها حروب للدين والوجود.. استهداف أجنبي لإيقاعنا في وحل الحرب الاستنزافية في العراق والشام، يزيده خطر توسع وتمدد الإرهاب المتمثل في داعش، وكذا حدود جنوبية ملتهبة بوجود الحوثي بشكل كبير ومؤثر على الساحة اليمنية جنوبنا.. خليج غير مستقر بخلافات داخلية فعلها فاعل.. هم تطوير مسيرة التنمية في الداخل، والمحافظة على السلم والأمان الاجتماعي.. أمانة دعم وتقوية الدول الشقيقة والمتأزمة في الوطن العربي والمحيط الإسلامي.. لتظهر حينها أهمية أن يتخلق كل سعودي بأخلاقيات ومبادئ المواطنة وينفذها في الواقع حقيقة فطرية ليست مصطنعة بيوم ذكرى وطنية تتجدد كل عام لتمنحنا الفرصة بأن نفعل دورنا كشعب بعد أن هيأت حكومتنا لنا ذلك المناخ بدورها.. كل ما في الشوارع أخضر؛ الأعلام على الرافعات وأعمدة الإنارة، والشعارات والصور التاريخية على ظهور السيارات.. فيستل أصحاب الأقلام أقلامهم من غمدها، ويغني محمد عبده أغنية وطنية تلهب الحماس وتشعل الحب، وينشد خلف بن هذال قصيدة وطنية عصماء لا مثيل لها في الأثر والأداء.. فيكتمل يوم وطني شامخ ومليء بكل شجون الحماس مع الحب.. إن المواطنة الحقيقية هي ذلك السلوك الذي يغلفه الطابع الفطري؛ يطبق فيه الإنسان كل ما من شأنه الحفاظ على أمن وطنه واستقراره وإظهار صورته بشكل مشرف وحقيقي داخليا وخارجيا.. ليتشكل فعلا ذلك الواقع أمام الجميع بأن هذه الذكرى السعيدة، هي ل«وطن ليس عاديا».. دمت ياوطني.. كاتب سعودي ghazico13@