مفردة شرعية شامخة، ومصطلح ديني باهر، وخصيصة لذوي الإسلام منذ أن بايع المسلمون أبا بكر في سقيفة بني ساعدة، سمت على ما كان قبلها من أعراف الأمم، ولم يدرك شأوها ما جاء بعدها من حضارات ونظم سياسية مختلفة.البيعة مفردة شرعية إسلامية مباركة، لا شرقية تستمد أوارها من وثنية الشرق، ولا غربية تسقى من مناهل الديمقراطية ومساقي العلمانية في الغرب. عظم الإسلام شأوها وعدها ميثاقا جليلا «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله»، وأدرك الصحابة الأخيار خطرها، فلما نوزع ابن عمر في بعض مفهومها قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». انصرمت سنون وليال وأيام منذ أن بايع المسلمون أبا بكر حتى أوائل هذا العصر، شهدت هذه السنون دولا وولايات وخلفاء وملوكا وأمراء وسلاطين ما بين محسن ومسيء وولاة بين ذلك كثير. قيض الله للملك عبد العزيز من همة في النفس ورسوخ في المعتقد، ومروءة في الخلال، فجمع الله على يديه جل جزيرة العرب، أراضي متباعدة، وقبائل متنازعة، وحد بينها إقامة الدين وصلاح المعتقد، على يد ذلك الملك المبارك المؤسس تغمده الله برحمته، فكانت المملكة العربية السعودية. ورث الأبناء الكرام ذلكم المجد المؤثل عن أبيهم، وأدركوا أن قوامه توحيد الله وإقامة شرعه، فعضوا على هذا المنهج بالنواجذ، ومضوا على هذا الحال، ولسان حالهم ومقالهم: * إذا مات منا سيد قام سيد – قؤول لما قال الكرام فعول. حتى آل الأمر وفق بيعة شرعية ظاهرة مباركة نيرة، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفي السادس والعشرين من شهرنا هذا تأتي ذكرى بيعته – حفظه الله ورعاه – لتجدد ذكرى العطاء الممتد، والبناء الشامخ في زمن توالت فيه الخطوب والأحداث، وكاد كثير من الأمم حولنا أن يتخطفهم الناس، وبلادنا قائمة يحفظها الله بحفظها لدينه وإقامة شرعه، فترد سهام الحاقدين إليهم، وينقلب مكر المتربصين عليهم، وكفى بالله وكيلا. تأتي ذكرى البيعة هذه الأيام ونايف بن عبد العزيز ولي للعهد، فتزداد القلوب طمأنينة، والنفوس ثقة وسكينة، ورغم ما نرى ونشاهد من الأمواج المتلاطمة، والخطوب العاتية، لكن قدر الكبير أن يظل كبيرا. فبلادنا اليوم ملاذ المسلمين الآمن، ومعقل التوحيد الشامخ، ولكل من يريدها بسوء نقول: إن الحال بيننا وبينك كما قال عمرو بن كلثوم: * فإن قناتنا يا عمرو أعيت – على الأعداء قبلك أن تلينا * ورثنا المجد قد علمت معد – نطاعن دونه حتى يبينا * ورثناهن عن آباء صدق – ونورثها إذا متنا بنينا. وأفضل وأصدق من هذا قول الله: «إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد».