السماء ملبدة بالغيوم هذا اليوم، وقد جرت العادة أن يبتهج الناس بمقدمات هطول المطر وتنفرج أساريرهم، غير أنه – خلافاً للعادة – بدوا متوجسين خائفين حذرين مصوبين نظراتهم نحو السماء تارة ، ومطرقين رؤوسهم إلى الأرض تارة أخرى ، ربما أن الإعلام بأدواته المشبوهة ورجاله المحتجين دوماً قد بالغ في تصوير الواقع وتقدير الضرر الذي لحق بمدينة جدة وبعدها العاصمة الرياض في العام الفائت، زاعماً أن ضعف البنى التحتية سبب حصول الكارثة التي أزهقت الكثير من الأنفس وأتلفت العديد من الممتلكات . عام مضى ولم يستطع الإعلام أن يصل إلى الحقيقة ، لم يقل إن أحداً بعينه كان المسئول عن الكارثة ، ومع ذلك ظل يكابر ولم يعترف بأن ما حدث كان بسبب الذنوب والمعاصي أو هو من باب القضاء والقدر ... لقد مارس الإعلام قبل عام التحريض على أناس اجتهدوا من أجل التوسيع على الناس باستحداث مخططات جديدة في طريق المجرى ، و آخرين ما أرادوا إزعاج المواطنين بشق الأخاديد في الطرقات ومد شبكات التصريف التي ما أنزل الله بها من سلطان ، بل اكتفوا بعمل نقاط تفتيش إبراء للذمة وتزييناً للشوارع ، لكن ذلك ضعف في الإيمان وخور في النفوس قاد للجزع عند المصائب والاعتراض على القضاء والقدر ، لقد تجاهل الإعلام خصوصية هذه الأرض وطيب تربتها التي ليست كغيرها ، فهي مباركة لدرجة أن تحتفظ بكل خير يلامسها فترات أطول ،بخلاف الدول الأخرى -لا سيما الكافرة منها – التي وعلى كثرة أمطارها لا تكاد تستقر بها قطرة ماء حتى تتسرب من خلال تربتها الخبيثة إلى البحر ، وإن ادعوا أنها قنوات وشبكات تصريف ، فهي في الحقيقة محق البركة وأثر الذنوب ! . إننا في عاصمة الربيع ، تلك المدينة القابعة في أقصى الشمال الشرقي من المملكة ، الملتحفة برمال الصمان الناعمة والمطلة برأسها على وادي الباطن ، مدينة أغراها الصمت بأن تكون حالمة على الدوام ، لا تفكر أبداً في أن تتجاوز الحلم إلى الحقيقة، فيها من الإيمان ما أقنع المسئولين بأن يكلوها إلى إيمانها ، فالحياة فيها تسير بشكل طبيعي غير عابئة بما تواجهه من نمو بشري هائل وانفجار عمراني كبير ، فلا الوجود في قلب الوادي يؤرقها ،ولا الا نقطاعات المتواصلة للكهرباء توجعها ، ولا الأحياء العشوائية تخيفها ،يكفيها من أدوات السلامة ومواجهة الكوارث بعض القوارب و ستر النجاة وعدد ليس بالكثير من رجال الدفاع المدني المخلصين جداً والغير مدربين جداً جداً ... إنه الإيمان إذا استقر في النفوس ، والبركة إذا حلت بأرض ، لدرجة أن شوارع مدينتنا ترصف بطريقة لا تختلف عن طلاء البيوت ، فإذا حل الربيع وانهمر المطر ظهر العشب في الفتحات التي كانت تنفرج عنها الشوارع أحياناً ، وتظهر التصدعات في الشوارع محدثة شيئاً يشبه التشققات التي يحدثها (الكمأ) في قشرة الأرض . الناس هنا – بالقرب من مدينتنا – كان بإمكانهم امتلاك الأراضي وتشييد العمران دون الحاجة للصكوك ورخص البناء حتى أسسوا بذلك ما يشبه المدينة (الذيبية) في أكبر عملية كسر للروتين الممل والبيروقراطية القاتلة ، غير آبهين بأولئك الحاقدين الذين زعموا أن مدينتهم حي عشوائي تمخض عن عملية فساد إداري ، فهلا سألوا أنفسهم كيف أمكن لمدينة عشوائية تمديد الكهرباء وافتتاح أقسام الشرط والدفاع المدني والمرور ،وإنشاء المدارس و المستوصفات ؟!... وأما قضية خطر السيول وإمكانية الغرق فهي أمور لا علاقة لها بالمخططات والتراخيص ،بدليل أن مدناً عريقة كجدة ومكة قد انهارت شوارعها بسهولة وطُمرت السيارات في قيعان الشوارع بمن فيها ، فلو حدث – لا سمح الله – واختبرت مدينتنا بارتفاع منسوب المياه فيها ، أو حدثت عملية جريان لوادي الباطن ، وجرف السيل الناس فاعلموا أن الأعمار بيد الله وتذكروا أن الصبر عند الصدمة الأولى. شافي بن عايد الوسعان [email protected]