خلفت الثورة السورية أبطالا مجهولين في أرض المعركة وفي ساحات الثورة المتعددة. وقد تكون المهمات الملقاة على عاتق النساء من أشد وأخطر الأعمال، خاصة أن المطلوب منهن التحرك بين الألغام البشرية التي زرعها النظام في كل مكان. والمعركة بين الثوار والنظام لا تقتصر على السلاح فقط، فالجبهة الخلفية وترابطها من العوامل المؤثرة في انتصار أي ثورة، وهذا ما تؤكده رانيا التي أنقذ موقفها جنديا على أحد الحواجز المنتشرة على تخوم دمشق وهي تنقل معدات طبية داخل ملابسها إلى المقاتلين في حمص. ونقلت رانيا عن الجندي قوله لها "اسرعي.. اجمعي الأدوية الخاصة بك وانصرفي قبل أن يعود قائدي". رانيا المحامية ليست وحدها، فهي تعمل ضمن فريق من أربع نساء بينهن صديقتان تعملان في متجر وتعمل صديقتهن الرابعة طبيبة، استأجرن شقة كبيرة في منطقة فقيرة في دمشق. تركت الأربع أعمالهن باستثناء الطبيبة. ------------------------------------------------------------------------ عندما سقط الأسبرين والمطهرات من بين طيات ملابسها عند نقطة تفتيش تابعة للجيش السوري تسمرت رانيا في مكانها ونظرت إلى سلعها المهربة على الأرض أولا ثم إلى الجندي الذي نظر مباشرة إلى عينيها. كانت رانيا تعرف أن تهريب الغذاء والدواء لنشطاء المعارضة هو أمر تضع قوات الأمن صاحبه تحت طائلة تهمة "مساعدة الإرهابيين" وتتم معاقبته بقسوة مثلما يحدث مع مهربي السلاح. قالت رانيا (27 عاما) وهي تتذكر الحادثة التي وقعت على مشارف العاصمة السورية دمشق "قلت لنفسي: انتهى الأمر. سيقتلونني". لكن رانيا كانت محظوظة وتعاطف معها الجندي. ونقلت رانيا عن الجندي قوله لها "أسرعي.. اجمعي الأدوية الخاصة بك وانصرفي قبل أن يعود قائدي". وأفلتت رانيا بهذا العفو. ورانيا وصديقاتها مجموعة من النساء يتعمدن ارتداء الملابس الفضفاضة لإخفاء الدواء والغذاء والمال وتهريبه من دمشق إلى حمص. ولا يمكن لرانيا وصديقاتها معرفة عدد النساء السوريات اللاتي يفعلن الشيء نفسه. وتعمل رانيا وهي محامية في فريق من أربع نساء بينهن صديقتان تعملان في متجر وتعمل صديقتهن الرابعة طبيبة. ووافقت رانيا على إجراء مقابلة معها عبر سكايب لكنها لم تفصح عن اسمها بالكامل خوفا من تعريض جهودها للخطر. ووافقت واحدة أخرى بالفريق اسمها علا على الرد على الأسئلة عبر صديقة أحيانا ما تساعدهن. وطلبت هذه الصديقة عدم ذكر اسمها. قالت رانيا "التقيت أنا والبنات بطبيب وهو صديق من أيام الطفولة وسألناه عن طريقة لمساعدة من يصابون أو من هم بحاجة للغذاء". وقام الفريق بتأجير شقة كبيرة في منطقة فقيرة في دمشق. وترك الأربعة أعمالهن باستثناء الطبيبة التي تعمل أربع نوبات في الأسبوع. وقالت علا "بعنا كل ما أمكننا بيعه.. حتى مجوهراتنا. قمنا بتخزين الأرز والسكر والمعكرونة وزيت الطعام في الشقة. تستخدم الطبيبة مصادرها للحصول على مضادات للالتهاب وضمادات وعلاج للصدمة". ويأكل الأربعة مرتين في اليوم توفيرا للمال. ونادرا ما يجرين اتصالات هاتفية ولا يغادرن الشقة إلا للضرورة ويعملن في أثناء الليل. وعندما يقوم ناشطون آخرون بزيارتهن يطلب الفريق منهم إحضار طعامهم معهم لتوفير النفقات. تبدأ العمليات في الشقة حيث تبدل النساء الأربعة ملابسهن بملابس ذات أكمام طويلة ويرتدين الحجاب. وقالت الصديقة "أنا نحيلة لذا يمكنني أن أهرب الكثير من الشاش الطبي تحت ملابسي". ويسافر الأربعة اللاتي يخفين المضادات الحيوية في طيات ملابسهن بمفردهن في سيارة أجرة خاصة أو حافلة ويتوجهن شمالا صوب مدينة حمص. وتقول علا "أحيانا نعتقل في نقاط التفتيش. وإما أن ندفع رشوة أو ننتظر لنرى ماذا سيحدث لنا. وبعض نقاط التفتيش يحرسها مسلحون مؤيدون للأسد ليسوا في الجيش النظامي". وأضافت "لكن أسوأ حادث بالنسبة لي وقع عندما كان من المقرر أن ألتقي مع ناشط آخر لإعطائه بعض أكياس الدم والمال والغذاء". وأضافت أنها انتظرت في المطر لكن الناشط لم يأت. وقالت "كان الوقت متأخرا واضطررت إلى ترك الطعام على جانب الطريق لأن خطر العودة به عبر نقاط التفتيش كان كبيرا للغاية. "عدت إلى البيت وأنا أبكي.. ضاعت الرحلة هباء".