شدني حماس الطفل ثامر "7 أعوام" وهو يرفع صوته ليثير انتباهي، حين كان والده يسرد قصص الموت في حمص، نظرت إليه متأملا ملامح وجهه البريء وهو يحكي قصة اليمام المقتول.. "عمو قتلوا ست ستيت والله قتلوها ياعمو المجرمين" كان ثامر يتحدث عن قضية أثارت سكونه، ووجدها بطفولته اليانعة جديرة بالطرح ضمن قصص الموت والاغتصاب التي يحكيها والده.. "نعم حتى طائر اليمام الذي نسميه ست ستيت ونجّلها لأنها تسبّح وتذكر الله قتلها الأوغاد أثناء مداهمة منزلنا بحي كرم الزيتون بحمص وكانت تقف على إحدى الأشجار القريبة" يوضّح والده. ثمن "الله أكبر" ما إن تقف في إحدى ردهات المستشفى التخصصي بالعاصمة الأردنية عمان؛ حتى تستشعر الثمن الباهض الذي دفعه ويدفعه السوريون كل يوم في طريقهم إلى الحرية. لا صوت يعلو فوق صوت الأنين، فالأنفاس المنهكة والأجساد الممزقة تشغل كل الزوايا، وتشيء جراحها الغائرة بمدى الوحشية التي تعرضوا لها وهم يهتفون "الله أكبر" وحسب. أحد المصابين من درعا، ويدعى يونس جاموس، أصيب أثناء مظاهرة تعرضوا خلالها لهجوم من الجيش السوري أدى إلى استشهاد ثلاثة من رفاقه وأصيب هو برصاصة في قدمه، يقول يونس "كنا نسير في الشارع ونردد الله أكبر قبل أن يتم إطلاق النار علينا، وبعد إصابتي أمسكوا بي بقيادة النقيب نضال جديد، وهو من طرطوس أقمنا عليه عدة دعاوى في الأممالمتحدة، وانهالوا عليّ ضربا في نفس مكان الإصابة الذي تسبب في كسر قدمي، وأثناء ذلك بدأت تصرخ امرأة من أحد المنازل المجاورة، حيث كانت تشاهد ما يفعلونه بي من تعذيب وضرب، فأطلقوا النار تجاهها قبل أن يغادروا الشارع حيث تم نقلي إلى منزل المرأة، ولم نجد طبيبا لأن أغلب الأطباء معتقلون بسبب معالجتهم للمصابين، ومكثت في منزل المرأة ليومين ثم نقلت إلى المشفى حين بدأ الجرح بالتعفن، وهناك تعرضت للتحقيق والضرب مرة أخرى، حيث كان الجنود يحاولون الوصول عن طريقي لبقية المتظاهرين، وبعد ثلاثة أيام تم تهريبي من المشفى إلى الحدود حيث قمت بالزحف إلى أن وصلت سياج الحدود الأردنية وتم إنقاذي ونقلي إلى هنا". كان يونس يتحدث بألم وهو يستدعي تفاصيل تلك الأيام من ذاكرته المشحونة بالوجع، وحين هممت بمغادرته قال لي "يا أخي إحنا بشر إحنا أرواح.. أطفالنا يقتلون نساؤنا تهان ويوجه لهن الكلام البذيء لا نريد إلا السلاح لنحمي أنفسنا". وحشية النظام حسين الزعبي شاب آخر من درعا، كان يرقد لإصابة في يده، تحدث ل"الوطن" عن إصابته وما واجهوه هناك من عنف، وقال: لا بد للعالم أن يقف مع الشعب السوري، فنحن نواجه بصدورنا العارية آلة قتل وحشية، ورسول الله قال "من خذل مسلما في موطن يحب فيه نصرته خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، ومن نصر مسلما في موطن يحب فيه نصرته نصره الله في يوم يحب فيه نصرته". وشبه الزعبي ما يحصل الآن في سورية بحملات التتار وبما حدث للبوسنة والهرسك، وقال "التعذيب والقتل بالآلاف، الأمهات يشردن والفتيات يغتصبن كل يوم، وقد شاهدنا عناصر مع الأمن السوري بلباس أسود وملتحين وهم غير سوريين ونعرفهم بلهجتهم ومعظمهم من إيران، وكان لهم الإجرام الأكبر". وروى الزعبي قصة يوسف الرسلان في الستين من عمره، والذي تبرع بكل ماله للشباب الثوار، وكان يختبئ في الدور الثاني للمسجد، أثناء اجتياح قرية المسيفرة، وارتكاب المجزرة التي أدت إلى استشهاد 21 شخصا؛ وقال "دخل العسكر إلى المسجد فوجدوا ذلك المسن المسكين يختبئ خلف إحدى السواري، فتقدموا نحوه وأطلقوا عليه النار بكثافة أدت إلى تقطيع جسده، ثم قاموا بسحبه إلى حافة الدرج وألقوا جثمانه من الدور الثاني إلى الأرض قبل أن يحملوه على الدبابة ويذهبوا به". ناصر حسن الشامي بطل آسيا في الملاكمة، والحائز على برونزية أثينا، وأحد أفراد المنتخب السوري، كان يرقد في المستشفى لإصابة في قدمة أثناء نقله لزوجة أخيه في حماه، حيث أطلق عليه القناصة من الأمن السوري النار فكسرت قدمه وبتر أصبع يده، وقال "كل من يسير في شوارع حماه معرض لإطلاق النار من قبل القناصة وهو ما حصل لي". مصاب آخر اكتفى برفع قميصه ليترك لجراحه الحديث عن وحشية النظام وأساليب التعذيب التي يستخدمها. ذكر لنا بأنه قضى قرابة الشهر تحت أشد أنواع التنكيل والتعذيب التي يستحي حتى عن مجرد ذكرها، وقال "لم يكتفوا بالتعذيب الذي جعلنا نتمنى الموت ولا نجده، بل تجاوزوا ذلك إلى ابتكار أساليب إجرامية توضح مدى الحقد الدفين في قلوبهم، مع يقيننا بأننا لم نفعل ما يستحق كل ذلك العداء والحقد" وأضاف "كانوا يسكبون ماء النار على جروحي المفتوحة والتي تسببت في ما تشاهدونه". عزيمة الرجال "سنعود، سنلملم جراحنا وحتما سنعود، لن نخلي له البلد، سنحاكم كل من وقف مع النظام أو صمت على جرائمه ضدنا، سنحرر أرضنا من هذا الطغيان، فقط ساعدونا بالسلاح لا نريد طعاما بل نريد السلاح والأكفان" هكذا ختم معظم المصابين حديثهم ل"الوطن"، كانت العزيمة والإصرار تقدح من عيونهم رغم كل ما تحمله أجسادهم من جراح. عزاء الصمت استطاع النظام السوري بوحشيته أن يزرع الخوف في معظم من التقينا بهم، فكان الحصول على الاسم أو التقاط الصورة صعبا للغاية، حيث أكدوا لنا بأن أجهزة النظام تتبع وسائل الإعلام، ثم تقوم باقتياد كل من له علاقة من الأقرباء أو المعارف. في منزل (أبو ثامر) بغرفه الثلاث، تقيم 4 أسر من النازحين من حي كرم الزيتون بحمص؛ بدأت أم ثامر الحديث وهي تغالب دموعها.."كنا في منزلنا عندما دهمت حينا ثلاث دبابات بعد قصف استمر طوال النهار، ودخلت مجموعة من الشبيحة إلى منزلنا، كانت والدتي أم حرب في إحدى زوايا المنزل تقرأ القرآن، وبدأ البحث عن أخي وعندما وجدوه اقتادوه إلى الشارع حيث قتلوه بدم بارد، وحينما شاهدت والدتي ذلك انهارت وأصيبت بجلطة في المخ تسببت في فقدان النطق واختلال الحركة".. كانت أم حرب تبكي وتهذي بكلمات لم نفهمها، إلا أنها كانت تحتمل وجع الدنيا. اشتقت لأبي تجاوزنا أنا ورفيقي علوان السهيمي معظم القصص المؤلمة بعزيمة تخذلها أحيانا دمعة مخاتلة.. إلا أن عزيمتنا تلاشت أمام كلمات الطفل محمد الحمود "8 أعوام"، الذي يقيم مع والدته وأخته الأرملة وطفليها اليتيمين. بدأت والدة محمد الحديث عن قصة نزوحهم إلى الأردن، وحكت قصة زوج ابنتها الذي قتل في مدينة حماه قبل عدة أسابيع من قبل الجيش السوري، كانت قصتها لا تختلف عن معظم القصص السابقة، فالقتل يوزع بالمجان في سورية. قالت بأنها فقدت الاتصال بزوجها بعد نزوحهم ولا تعلم عنه شيئا، حيث كان اسمه ضمن المطلوبين ولم يتمكن من مغادرة سورية. أثناء حديث والدة محمد عن وضعهم الإنساني، وكيف أنها استنزفت ما تملكه من مال في دفع إيجار الشقة التي يسكنونها وتأثيثها، ولا تجد أي مال لإطعامهم؛ سألتها منسقة أعمال الإغاثة أم يزن عن سبب عدم توجهها لمقر الهلال الأحمر للحصول على المساعدات، فقالت "لا أعرف كيف أمد يدي، لم أعتد على ذلك من قبل". توجهت بسؤالي المرّ للطفل محمد، قلت له ماذا تريد أن تقول، فأجابني وجسده الصغير يرتعش كمدا "أريد والدي أشتقت إليه" وبكى محمد وأبكانا جميعا. تلويحة وداع ربما شعر الطفل محمد بالذنب تجاهنا؛ وعاد بملامح أكثر ثباتا، مقرراً أن يكون الوداع أنشودة جميلة كجمال وجهه البريء.
سعي لتسهيل إجراءات الزيارة "الوطن" التقت نائب السفير السعودي بالعاصمة الأردنية عمان الدكتور حمد الهاجري الذي تحدث عن وصول وفد من الهلال الأحمر السعودي، خلال الأسبوع الماضي، ومناقشته الاحتياجات التي يمكن تقديمها بالتنسيق بين السفارة ووزارة المالية والهلال الأحمر. وأكد الهاجري السعي لمعالجة بعض الحالات الإنسانية، ومن ذلك تحويل طلبات العمرة من دمشق إلى السفارة السورية بعمّان، إضافة إلى تقديم تسهيلات لبعض الحالات لزيارة المملكة بعد رفع طلب الزيارة كما هو معمول به من داخل المملكة.