"الشغل ما هو عيب".. بهذه العبارة قهرت سيدات من محافظة عنيزة الصورة الذهنية لمجتمع يحاكم الناس على كل ما هو مخالف للعادات والتقاليد، واقتحمن مهنة "صناعة الفحم", وضمخن أناملهن الرقيقة بحناء العزة والكرامة والاعتماد على الذات الأبية، بدلاً من حناء الجمال المصطنع الزائل، بعد أن تحدين الصعاب ومارسن هذه المهنة على أرض الواقع، ووصفن إياها بأنها مشروع لزيادة دخلهن والاكتفاء الذاتي لهن ولأسرهن بدلا من مد يد السؤال للآخرين. تقف وراء هذه المبادرة الفريدة جمعية عنيزة النسائية الخيرية "قطرة" وهي الداعمة لهذا المشروع وللفتيات اللاتي يمارسن عملهن الذي يستغرق نحو 8 ساعات يومياً لأجل إنتاج الفحم العضوي من المخلفات الزراعية للاستخدام المحلي والخارجي وكذلك لأجل الحفاظ على البيئة. وتقول إحدى الفتيات وهي تمارس مع رفيقات دربها صناعة الفحم في معمل جُهز بأدوات بسيطة إن هذا العمل يُعد تحديا للذات أولا وللمجتمع الذي قد لا يتقبل هذا الأمر مبدئيا لكنه بلا أدنى شك سوف يعي مستقبلا أن "الشغل ما هو عيب". وتضيف فتاة أخرى تعمل بمعمل الفحم أنهن يستخدمن مخلفات المزارع من أوراق الأشجار والمخلفات، بعد تنظيفها وطحنها، ثم تصنع منها مواد طبيعية سائلة على شاكلة العجين الذي يتم تشكيله حسب نوع الاستخدام سواء كان للتدفئة أو للبخور، ويتم بعد ذلك تجفيفها، ثم وزنها استعدادا لبيعها، مشيرة إلى أنها زادت من دخلها وعائد أسرتها وتعلمت من خلال هذا العمل مهنة لقضاء حاجتها وتحقيق متطلباتها. من جانبها، تقول مديرة الجمعية النسائية الخيرية "قطرة" سهى الغلث ل"الوطن"إن المشروع جاء بعد دراسة وتمحيص لأجل كف يد الأسر المحتاجة عن السؤال، مشيرة إلى أن فكرة هذا المشروع جاءت بعد دراسة للجمعية كشفت أن60 أسرة في المحافظة تحتاج إلى دخل يساعدها في توفير لقمة العيش, إضافة إلى قلة الوظائف للفتيات، لذا بحثت لهن الجمعية عن عمل لا يتطلب شهادات علمية بل فقط التدريب والممارسة. وعن بداية المشروع، تبيّن الغلث أن المشروع بدأ قبل نحو ثلاث سنوات وحقق نجاحا باهراً، ولم يكن متوقعاً أن يصل صدى هذا المصنع خارج أسوار محافظة عنيزة، وباتت الجمعية حالياً تصدر المنتج من الفحم لداخل وخارج المملكة، بل تتلقى طلبات من دولة الكويت، ويعني ذلك بلا شك شهادة على جودة المنتج. وعن أنواع الفحم الذي يتم تصنيعه داخل المعمل الذي لا تتجاوز مساحته 20 متراً مربعا، تضيف الغلث أن الفتيات يعملن على تصنيع فحم الشوي وكذلك فحم التدفئة وفحم البخور, واختتمت بالقول "بنات الوطن يعملن أفضل مما يعمل الرجال" في إشارة إلى أن مهنة تصنيع الفحم رغم حساسيتها، إلا أن الرجال لم يستطيعوا العمل فيها كما الفتيات.