يبدو أن حديد التسليح بدأ يأخذ حيزا من الاهتمام والتفكير في أذهان السعوديين، كيف لا وهو المادة الأكثر تأثيرا في مشاريع البناء السكنية وغير السكنية، يأتي ذلك في الوقت الذي تنتج فيه السوق المحلية من خلال المصانع الوطنية نحو 5 ملايين طن من حديد التسليح سنويا، فيما يبلغ حجم الاستيراد من الخارج نحو مليوني طن سنويا. وتبرز أهم الدول التي يتم استيراد الحديد منها في كل من تركيا، والصين، والإمارات، وقطر، في حين تعتبر شركة "سابك" من أبرز الشركات المصنعة لحديد التسليح في السوق المحلية، وتأتي بعدها مصنع "الاتفاق"، و"الراجحي"، و"اليمامة". ذاكرة السعوديين لا تنسى عام 2008، وهو العام الذي دخل فيه سوق الحديد أزمة كبرى هزت أوساط السوق العقارية في البلاد، وذلك عندما قفز سعر الطن الواحد من مستويات ألفي ريال إلى نحو 6 آلاف ريال في فترة وجيزة، يأتي ذلك قبل أن يدخل العالم في أزمة اقتصادية عاصفة أعادت السوق إلى التوازن مجددا. كما أن أسبابا أخرى محلية قادت إلى عودة السوق إلى التوازن مجددا، ويأتي على رأسها وزارة التجارة والصناعة التي نجحت في الكشف عن عدد من مستودعات التجار الذين يقومون بتخزين الحديد بحثا عن تجفيف السوق في ذلك الحين. وأمام هذه الذكرى والواقع الحالي في سوق الحديد، يقول محمد العلي وهو مقاول سوري في العاصمة الرياض أن أصحاب المشاريع السكنية يحرصون دائما على شراء كميات الحديد التي تغطي الجزء الأكبر من مشاريعهم السكنية في وقت مبكر. وأرجع العلي هذه الخطوة إلى أن هؤلاء الفئة من أصحاب المشاريع يخشون عدم توفر بعض مقاسات الحديد، وهو الأمر الذي سيقود إلى توقف مشاريعهم السكنية في حال عدم وجود هذه المقاسات. وقال العلي :"ليس هنالك خوف من ارتفاع أسعار حديد التسليح، لأن هذا الأمر لن يحدث بإذن الله، في ظل الرقابة الحكومية الصارمة على سوق الحديد متمثلا في وزارة التجارة والصناعة"، مضيفا "كما أن وزارة التجارة ومن خلال مؤشر الأسعار الذي تم إطلاقه حددت أسعار طن الحديد المباع في السوق، لذلك لن يكون هنالك تلاعب في هذا الجانب". وأشار العلي إلى أن المقاسات 10 و12 و14، من أكثر المقاسات التي تشهد طلبا في السوق المحلية، مبينا أن هذا الأمر يأتي لكثرة الاعتماد عليها في تسليح الأسقف في المشاريع الخاصة والعامة. من جهة أخرى يقول فيصل العتيبي الذي يقوم ببناء منزله السكني خلال هذه الأيام في الرياض: "من الواضح تماما أن سوق الحديد يشهد ارتفاعا في حجم الطلب، أحيانا أطلب من الموزع بعض المقاسات فلا يقوم بتوفيرها لي إلا عقب يومين من تاريخ الطلب، وهو الأمر الذي أثار استغرابي". من جهة أخرى لم تغيّر وزارة التجارة والصناعة أسعار بيع حديد التسليح النهائية في السوق المحلية منذ 18 أغسطس الماضي، حيث تبلغ أسعار شركة "حديد سابك": 3150 ريالا للطن لمقاس 8 ملم، و3110 ريالات لمقاس 10 ملم، و2930 ريالا لمقاس 12 ملم، و2910 ريالات لمقاس 14 ملم، و2900 ريال لمقاسي 16 و32 ملم، وجاءت أسعار الحديد المستورد الصيني التابع لشركة "المجموعة السعودية للمواد الإنشائية" أقل مما هي عليه أسعار الشركات المحلية بمقدار 100 ريال للطن الواحد، فيما كانت أسعار الحديد التركي والقطري أقل مما هي عليه أسعار الحديد المحلي بمقدار 50 ريالا للطن الواحد، بحسب موقع وزارة التجارة لأسعار الحديد. الجدير بالذكر أنه كان قد قال رئيس مجلس إدارة شركة اليمامة للصناعات الحديدية المهندس سعد المعجل في تصريح إلى "الوطن" حول صناعة الحديد في المملكة: "ما دمنا نستورد الكتل الحديدية الجاهزة من تركيا وغيرها، فإننا حتما سنخسر، لا بد من أن تنتج المواد الخام في مصانعنا المحلية"، مبينا أن مصنع "حديد اليمامة" منذ 5 سنوات يبيع بآلاف الملايين من الريالات، إلا إنه في نتائجه النهائية يظهر خسائر موجعة. وذكر المعجل أن المملكة تصدر الطاقة في الوقت الحالي إلى "اليابان" التي تعتبر من أكبر الدول المصنعة للحديد، مبينا أن العديد من دول العالم تقوم بإنتاج الحديد باستخدام الطاقة السعودية. وحول تأثيرات اعتماد مصانع حديد محلية على الكتل الحديدية المستوردة أوضح المعجل أن هذا الاعتماد سيقود إلى شح في المعروض وارتفاع في الأسعار، مضيفا "نحن كمصنع حديد لم نعد نستطيع التوقف عن العمل نظرا لخسائرنا التي بلغت حتى الآن 600 مليون ريال، نتأمل خيرا في المستقبل". وحول ما إذا كان الاعتماد على الكتل الحديدة المستوردة في إنتاج الحديد قد سبب لهم حرجا فيما يخص جودة المنتج، أكد المعجل أنهم في المصنع يعانون كثيرا من الخسائر الفادحة قبل معاناتهم من "الحرج" في هذا الجانب. وطالب المعجل بتوفير "الغاز" و"الكهرباء" لمصانع الحديد المحلية التي تعاني من عدم قدرتها على إنتاج الكتل الحديدية في مصانعها المحلية، وقال "مستعدون للالتزام بكافة الشروط، كي تتحقق مطالبنا ونبتعد عن كابوس الخسائر". بينما كانت قد أظهرت تقارير حديثة ارتفاع حجم إنتاج المملكة من الحديد بنسبة 5.2% خلال العام الماضي عما كان عليه في عام 2010، وهو الأمر الذي يؤكد على استمرار ارتفاع معدلات الطلب في السوق المحلية.