اتخذت المملكة موقفا حازما مما يجري في سورية رافعة لهجتها ومطالبها حيال عمليات القتل، بعدما اصطدمت كل الجهود السلمية برفض القيادة السورية الاستماع إلى صوت العقل والحكمة وقررت المضي في استباحة دماء الشعب السوري. واتهم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في كلمته أمام اجتماع المجلس الوزاري العربي في القاهرة أمس، القيادة السورية بقتل شعبها، داعيا إلى إحالة المتورطين بارتكاب الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية، وعدم منح القيادة السورية مزيدا من المهل، والانصراف إلى مساعدة المعارضة. وسأل الفيصل الدول العربية عما فعلته لوقف آلة القتل، مؤكدا أن "الحرب في سورية ليست عرقية أو بمواجهة عصابات بل حملة تطهير جماعية".
------------------------------------------------------------------------ اتهم وزير الخارجية، الأمير سعود الفيصل القيادة السورية بقتل شعبها، داعياً إلى "إحالة المتورطين بارتكاب جرائم في سورية إلى محكمة الجنايات الدولية"، كما طالب بالتوقف عن منح القيادة السورية المزيد من المهل، والانصراف بالمقابل لمساعدة المعارضة. أعقب ذلك، قرار لوزراء الخارجية العرب دعا إلى وقف كل أشكال التعامل الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري في الدول والهيئات والمؤتمرات الدولية، كما دعا كافة الدول الحريصة علي أرواح الشعب السوري إلى مواكبة الإجراءات العربية في هذا الشأن، ومنها تشديد تطبيق العقوبات الاقتصادية، ووقف التعاملات التجارية مع النظام السوري، ما عدا ما له مساس مباشر بالمواطنين السوريين، وإنهاء بعثة مراقبي الجامعة العربية في سورية، ودعوة مجلس الأمن لإصدار قرار لتشكيل قوات حفظ سلام عربية أممية مشتركة للمراقبة والتحقق من تنفيذ وقف إطلاق النار. وقرر مجلس الجامعة الطلب من الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، تعيين مبعوث من الجامعة لمتابعة العملية السياسية، والترحيب بدعوة تونس لاستضافة مؤتمر أصدقاء سورية المقرر عقده في 24 فبراير الجاري، كما دعا وزير الخارجية التونسي رفيق عبدالسلام، وفتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير كل أشكال الدعم السياسي والمادي لها. وقال الفيصل، قبل عقد الجلسة المغلقة لاجتماع وزراء الخارجية، إن "جثث القتلى وأشلاء الضحايا تسأل بأي ذنب قتلوا... وإن الشعب السوري يسأل الدول العربية عما فعلته لوقف آلة القتل التي أدت لمقتل ستة آلاف قتيل ووقف الاعتقالات التي شملت 70 ألفا، وإعادة النازحين الذين زادوا عن عشرة آلاف شخص". وتحدث الفيصل عن إبادة أحياء بكاملها في حماة وحمص كالخالدية وبابا عمرو وغيرها وتشرد سكانها، مضيفاً أن "القيادة السورية قررت المضي في قتل شعبها للحفاظ على السلطة". وتابع الفيصل "الحرب في سورية ليست عرقية أو بمواجهة عصابات بل حرب تطهير، هل يستحق فرض الأمن تدمير أحياء بالكامل؟ فهل يصدق العقل أن لدى الإرهابيين دبابات تدمر المدن؟". وبدوره أعلن العربي أنه تسلم أول من أمس رسالة من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، يلمح فيها إلى تغيير على الموقف الروسي حيال سورية. وقال إن "المجتمع الدولي أصبح عاجزاً عن التعامل بفعالية مع الأوضاع المتفاقمة في سورية، وهذا الأمر يحمل الجامعة أعباءً للبحث عن الأسلوب الأمثل لتأمين الحماية للشعب السوري ومعالجة الأزمة". وأكد أن "الجامعة اتخذت العديد من المقررات، أهمها إرسال بعثة مراقبين، إلا أن مهمتهم اصطدمت بوعود سورية لم تنفذ، ومع تعرض سلامتهم للخطر سحبت بعض الدول مراقبيها واتخذ قرار بوقف عمل مهمة بعثة المراقبين". وأفاد العربي "يجب أن نبحث الآن في مسارين، الأول حشد جميع وسائل الضغط الدولي على النظام السوري، والثاني النظر في اتخاذ اجراءات فورية لنجدة الشعب السوري، وعلينا النظر في العودة إلى مجلس الأمن". وأعرب عن أسفه لاستخدام الفيتو في مجلس الأمن، مشيراً إلى أنه "يجب توسيع بعثة المراقبين ووضعها تحت المراقبة الثنائية للأمم المتحدة والجامعة العربية". وكانت الجامعة قبلت أمس استقالة الفريق أول محمد أحمد الدابي من رئاسة بعثة المراقبين إلى سورية. والتقى العربي في أعقاب قبوله الاستقالة بوزير خارجية الأردن الأسبق عبدالإله الخطيب الذي وافق على قبول مهمة اختياره مبعوثا للجامعة إلى سورية. في غضون ذلك، خرج اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي المغلق بالقاهرة أمس بتوصية بإنهاء عمل بعثة المراقبين العرب. وكان وزراء خارجية دول الخليج بحثوا تنسيق المواقف تجاه الوضع في سورية والاتفاق على طلب جماعي للاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلا شرعيا للشعب السوري ودعوته للمشاركة في الاجتماع، خاصة أن قطر استضافت منذ عدة أيام اجتماعات للمجلس الوطني السوري برئاسة برهان غليون لبحث توحيد المواقف بين فصائل المجلس والاستعداد لمرحلة الاعتراف به ممثلا شرعيا وتمثيل سورية في الجامعة العربية. نص كلمة الأمير سعود الفيصل أصحاب السمو والمعالي والسعادة معالي الأمين العام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته منذ بداية الأزمة في الحادي عشر من مارس 2011 وحتى اليوم بدا واضحا للعيان أن الأحداث في سورية بدأت تتداعى بشكل مأساوي وعنيف وكأننا بأشلاء الموتى وجثث القتلى تستصرخ كل مسلم تقي، ونخوة كل عربي أبي بأي ذنب قتلت؟ وكأننا بأنين الجرحى، ونحيب الأمهات الثكالى تصم آذاننا نهارا جهارا ماذا فعلتم لحمايتنا ونصرتنا؟ ماذا فعلتم لحمايتنا ونصرتنا بعد أن تجاوز عدد قتلانا ستة آلاف قتيل؟ لم يسلم منها حتى الشيوخ والنساء ومئات الأطفال علاوة على عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين بعاهات مستديمة فقدوا بسببها أطرافهم وبصرهم. ماذا فعلتم لحمايتنا بعد أن تجاوز عدد معتقلينا سبعين ألفا بلا ذنب أو جريرة؟ ماذا فعلتم لنصرتنا بعد أن تجاوز عدد النازحين العشرة آلاف ينشدون الأمان خارج وطنهم؟ ماذا فعلتم لنصرتنا بعد أن تم إبادة أحياء بكاملها في حماة وحمص خصوصا الخالدية وباب عمرو وغيرها وتشريد أهاليها في العراء يتضورون جوعا يقتاتون من صناديق القمامة ويشعلونها للاستدفاء بها وأطفالهم من شدة البرد القارس؟ لقد حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من هذه النتيجة المأساوية عندما وجه في رمضان الماضي رسالة لأشقائه في سورية طالبهم فيها بالتعامل مع تلك الأحداث بالحكمة والعقل باعتبار أن ما يحدث في سورية ليس من الدين الحنيف في شيء وليس من القيم والأخلاق العربية في شيء، موضحا في الوقت ذاته بأن الأوضاع في سورية وصلت إلى مفترق طرق لا يعلم سوى الله إلى أين ستؤدي، ومشددا على أن المملكة العربية السعودية لا يمكن بحال من الأحوال أن تقبل بما يحدث في سورية، وأن الحدث الأكبر من أن تبرره الأسباب، ومؤكدا على أن مستقبل سورية أصبح بين خيارين لا ثالث لهما إما أن تختار بإرادتها الحكمة أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع. وللأسف الشديد؛ فلقد تبين مع مرور الوقت أن القيادة السورية فضلت الخيار الثاني وقررت المضي في قتل شعبها وتدمير بلادها من أجل الحفاظ على السلطة. إن ما تشهده سورية يوضح بما لا يدع مجالا للشك أنها ليست حربا عرقية أو طائفية أو حرب عصابات بل هي حملة تطهير جماعية للتنكيل بالشعب السوري وفرض سيطرة الدولة عليه دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو دينية. إذ هل يستدعي حفظ الأمن (كما يدعي النظام) تدمير أحياء بالكامل بالأسلحة الثقيلة والصواريخ. وكيف يمكن التسليم بزعم إنها حرب إرهابية فهل يصدق العقل امتلاك الإرهابيين لدبابات يقصفون بها المدن ولأي غرض. أيها الأخوة منذ خطاب خادم الحرمين وما أعقبه من اجتماعات متواصلة لمجلس الجامعة العربية وعلى مدى الأشهر الماضية والمحاولات لا تزال مستمرة لحل الأزمة في إطارها العربي وإقناع القيادة السورية بشتى الطرق والوسائل بوقف عمليات القتل المستمرة للشعب السوري والبدء في حوار وطني شامل مع مختلف أطراف وقوى المعارضة لوضع تصور شامل لعملية إصلاح سياسي يعيد لسورية الأمن والاستقرار، ويحقق للشعب مطالبه المشروعة بما في ذلك صياغة مبادرة عربية تحقن دماء السوريين وتحافظ على وحدتهم وسلامة أراضيهم. إلا أنه وللأسف الشديد اصطدمت كافة الجهود السلمية برفض القيادة السورية المرة تلو الأخرى الاستماع إلى صوت العقل والحكمة وقررت المضي في استباحة دماء الشعب الزكية التي أخذت تتناثر على أرض سورية كل يوم وكل ساعة. ولا بد من التنويه هنا بأن تراخي البعض وتقاعس بعض الدول الأجنبية ناهيك عن فشل مجلس الأمن الدولي المعني بمسألة حفظ الأمن والسلم الدوليين عن التعامل الجاد مع هذه الأزمة، كل ذلك أدى كما وصف خادم الحرمين مؤخرا إلى اهتزاز ثقة العالم كله في الأممالمتحدة وهو الأمر الذي جعل النظام السوري يتمادى في قمعه وقتله لأبناء شعبه دون أي شفقة أو رحمة. وبعد هذا كله ألا يحق لنا أن نتساءل إلى متى نبقى متفرجين تجاه ما يحدث للشعب السوري الشقيق وإلى متى نظل نمنح النظام السوري المهلة تلو المهلة لكي يرتكب المزيد من المذابح ضد شعبه. إن اجتماعنا اليوم مطالب باتخاذ إجراءات حاسمة وذلك بعد أن فشلت أنصاف الحلول في وقف مجزرة سورية التي ما فتئت تتفاقم دون أي بارقة أمل لحل قريب يرفع معاناة الشعب السوري الشقيق ويحقن دماءه. ومن هذا المنطلق فإنني أرى بأن مجلسنا اليوم لا ينبغي أن يتهاون مع حجم التصعيد الخطير الذي تشهده سورية في ظل خيبة الأمل من موقف مجلس الأمن، كما أنه يتعين على الجامعة أن تنظر مجددا في مبادراتها على نحو يتفق مع هذه المستجدات والعمل على اتخاذ إجراءات فورية وصارمة ضد النظام السوري والتشديد في تطبيق عقوباتها الاقتصادية والسياسية وفتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتقديم كافة أشكال الدعم لها. كما ينبغي أن يكون على رأس أولوياتنا الاستجابة للظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري للتخفيف من معاناته الإنسانية وتوفير ما يحتاجه من دواء وغذاء ومأوى وحث كافة المنظمات الدولية المعنية للقيام بمسؤولياتها وواجباتها في هذا الشأن. لقد أكدنا في شتى المواقف والمحافل وما زلنا نؤكد عدم رغبتنا في التدخل العسكري تحت أي ظرف من الظروف، ودعونا مخلصين إلى تجنيب سورية مخاطر الصراعات الأهلية المدمرة أو الانزلاق إلى الفوضى والخراب والدمار. إلا أنه بات واضحا لنا جميعا عدم التزام الحكومة السورية بهذه المبادرات أو التعاون الجاد معها وإصرارها على الاستمرار في تدمير سورية بأكملها أرضا وشعبا، فهل سنقف صامتين أمام هذا الحدث الجلل؟ وهل ترضى ضمائرنا أن يستمر النظام السوري في التنكيل بالشعب وقتله وتعذيبه؟ وهل لا يزال بيننا من يرغب في إعطاء فرصة أخرى للنظام لكي يتمادي في ممارساته؟ إذا كان الأمر كذلك فإنه عار علينا كمسلمين وكعرب أن نرضخ لهذا الأمر ونقبل به. إن الدماء الزكية التي تراق كل يوم على أرض سورية الحبيبة لا يمكن أن تذهب هدرا، وإن الدموع التي تذرف كل يوم من عيون الأمهات والأطفال والشيوخ لا يمكن أن تذهب سدى، وأن من ثبت تورطه في هذه الأعمال المشينة يجب أن تطاله العدالة الدولية، وأن يعرض أمره على محكمة الجنايات الدولية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.