ظلت المنطقة التاريخية بجدة طوال عقود ماضية، تحتفل بتوديع إجازة منتصف العام الدراسي، بطريقتها النوعية، لاحتفاظها بكاريزميتها الخاصة، ولم تنقطع هذه العادة حتى اليوم. وعلى امتداد الزقاق الداخلي لتاريخية جدة، وتحديداً في شارع "أبو عنبه" الذي يفصل بين عالمين مختلفين من حيث التراث التقليدي والعصرية الحديثة، كان أكثر من 400 طفل ما بين 4 -12 سنة يمارسون مهنة "الجمال والأنس" في إشارة إلى الرسم والتلوين كما وصفها الطفل نواف محمد الغفاري "11 عاماً" الذي قدم مع والدته التي تعمل معلمة، وقالت في حديثها إلى "الوطن" ، إنها قدمت من أقصى شمال جدة وتحديداً من شارع حراء ليعرف ابنها قيمة المنطقة التاريخية وتراث مدينته الأصيل، وكيف كانت بيوت أيام زمان. مهرجان فرحة الألوان الذي أقيم بجهود ذاتية وتطوعية من أهالي المنطقة وعدد من الجمعيات، أو بنظام "القطة" كما وصفها عمدة حي الشام والمظلوم ملاك باعيسى، وهي الشكوى التي مررها العمدة بشكل غير مباشر، من افتقاد هذا المهرجان التربوي "للرعايات التجارية" على الرغم من أهميته الفنية والتربوية. فكرة المهرجان جاءت بفعل مجموعات الفيسبوك المهتمة بتراث جدة القديم،وعمدة الحي، والجمعية الخيرية للمحافظة على التراث العمراني في قلب جدة "تحت التأسيس"، بهدف ربط الأجيال بالمنطقة التاريخية وحيوية الماضي، وتنمية مهنة الرسم المستوحاة من التراث الجداوي، وهو ما أشارت إليه المشرفة الرئيسة على رسومات الأطفال سلوى محمد الكاف التي حضرت تطوعياً للإشراف على البرنامج مع شقيقاتها وزميلاتها خلال أيام مهرجان ربيع الألوان. الطفل سليمان عبد الناصر طفري لا يتجاوز عمره الخمس سنوات إلا أن مشرفات البرنامج يتحدثن عن موهبته الفنية التي ينظرن إليها بأن ستعزز في المستقبل نحو الاحترافية، والده المهتم بمعالم جدة التاريخية، يتحدث عن موهبة نجله التي بدأت تتضح ملامحها الفنية منذ أن كان في سنواته الثلاث الأولى. وقالت الكاف" اكتشفنا من خلال البرنامج الذي استفاد منه أكثر من 400 طفل من داخل وخارج المنطقة التاريخية، أطفالا مبدعين في مهنة الرسم، وما كانوا يحتاجونه هو فقط إجراءات تعليمية بسيطة في احتراف الرسومات ودمج الألوان". لم يخل مهرجان الألوان من القيمة التربوية التي فصلها المشرف العام عليه العمدة باعيسى الذي يصفه سكان منطقته "بالرجل المبادر"، حيث انقسم البرنامج على فترتين صباحية ومسائية، خصص الصباح لأطفال المنطقة التاريخية، لتعميق مفاهيم تربوية كالمساهمة في نظافة الحي عبر برنامج تعليمي خصص لذلك، حيث أكد باعيسى :"أسلوب الترغيب كان له دور مؤثر في تنمية حس النظافة والالتزام بها". فيما كانت القيمة الأخرى للمهرجان تحمل طابعاً بيئياً بامتياز وهو إكساب الأطفال الكيفية في إعادة تدوير المعلبات والاستفادة منها كأشكال فنية أو علب نباتات صغيرة سعياً لتطوير التشجير في المنطقة التاريخية، وهنا يحرص العمدة في سياق حديثه الصحافي على أهمية الخطوة في تنمية ثقافة التشجير بين الأطفال لحيهم التاريخي، عبر ترغيبهم بالهدايا والمفاجآت. في الساحة المجاورة لمسجد أبو عنبه المقر الرسمي للفعاليات المسائية التي تبدأ من الساعة الرابعة عصراً وحتى الحادية عشر مساءً،ويستقبل المهرجان يومياً نظير الإقبال المتزايد من الأطفال قرابة 80 طفلاً وطفلة ضمن برامج متنوعة تخاطب الشريحة المستهدفة. يتهامس كثير من الأطفال والمشرفين حول قصة الطفلة الأميركية "السعودية الأصل" التي لا تتحدث العربية وتزور المملكة لأول مرة، وجاءت برفقة جدتها لمنطقة المهرجان، حيث أعجبت كثيراً بفكرة المهرجان وبيوت أيام زمان، وكانت تهدف الجدة لزيارة الحفيدة للمنطقة – وفقاً لرواية المسؤولين عن المهرجان- إلى أصالة الترات الجميل بالمنطقة التاريخية.