"العمة دخنة" ، هي امرأة عجوز في العقد السابع من عمرها ، تمثل قصتها نموذجا حيا لما قد يتعرض له الإنسان من جحود ونكران من أقرب الناس إليه . تعيش "العمة دخنة" وحيدة منذ ما يقارب العشر سنوات في منزلها الصغير والذي يقع في منطقة عشوائية بأسفل خاط إحدى ضواحي مدينة النماص في المنطقة الجنوبية من المملكة، تقضي "العمة دخنة" يومها في رعي أغنامها التي اتخذت من الساحة الأمامية للمنزل مستقرا لها ، وتستقبل في بعض الأحيان وخاصة مواسم الإجازات الكثير من السياح والذين يحبذون الاستماع لقصصها وخبرتها بهذه المنطقة وسكانها ، حتى باتت معروفة لزوار تلك المنطقة بشدة كرمها وحسن ضيافتها رغم دخلها المادي الضئيل والذي يقتصر فقط على الضمان الاجتماعي المحدد .. ولكن يبدو أن سعادتها الغامرة باستقبال الزوار وضيافتهم ليست إلا نتيجة مرارة الوحدة والعزلة التي تعيشها تلك العجوز . ويتساءل الكثيرون دوما عن سبب وحدتها ! فأين أقرباؤها عندما يتم توجيه هذا السؤال إلى "العمة دخنة" تظهر علامات البؤس والحزن على وجهها وتتحول نبرة صوتها السعيدة إلى نبرة خافتة تخنقها العبرة .. فتجيب وعيناها تفيضان من الدمع "أنجبت 12 طفلا فكبروا وذهب كلٌ بطريقه وتركوني وحيدة .. لا يريدونني" .. فيجهش الزوار بالبكاء حتى إن البعض منهم يقوم بتقبيل رأسها ، والمسح عليه و كأنها طفل صغير. هكذا كان حال "العمة دخنة" حتى فترة قريبة , إلا أنها الآن قد فقدت قدرتها على السمع فلم تعد قادرة على تبادل الأحاديث مع أحد . فأصبحت أكثر وحدة وأشد عزلة عما كانت عليه في السابق ، فباتت تخشى الخروج من منزلها كثيرا وإن خرجت فليس بعد حلول الظلام مساءً ، وأوصت "العمة دخنة" جيرانها مؤخراً بكسر باب بيتها في حال لم يروها خارج المنزل لعدة أيام وذلك لأخذها من منزلها ودفنها لأنها ستكون متوفية حسب قولها.! قد يهرع الآن أصحاب الأيادي البيضاء من القراء إلى السؤال عن تلك العجوز من أجل تقديم يد العون لها، ولكنها ربما تكتفي بقوت يومها وليست بحاجة لشيء سوى القليل من الرحمة والإنسانية من فلذات كبدها الذين هجروها كل تلك السنين.